تعتبر الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية نهجا تسير عليه السلطة الفلسطينية لضمان وجودها المرهون بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وتسيير مصالحه حتى في حال أدى ذلك إلى سقوط ضحايا كما حدث مع المسن سعدي السخل الذي فقد حياته مؤخرا على يد جهاز المخابرات.
وتقض تلك السياسة مضاجع أهالي المعتقلين لتكرار استدعاء أبنائهم وتجديد اعتقالهم أكثر من مرة خلال مدد قصيرة حتى أصبحوا "مش فارق معهم" وفق حملة فيسبوكية أطلقها المعتقلون لمواجهة تعنت السلطة وجبروتها.
وتجاوز عدد المعتقلين وفق إحصاءات غير رسمية 400 منذ بداية العام، في حين تجاوزت أعداد الاستدعاءات المئات.
مخالف للقانون
وأكدت مصادر لـ"الرسالة نت" أنّ حالات الاعتقال والاستدعاء السياسي آخذة بالتصاعد منذ لقاء المصالحة الأخير في العاصمة المصرية القاهرة، فأظهرت الإحصاءات أنّ تركيز أجهزة السلطة في حملاتها كان على الأسرى المحررين وطلبة الجامعات وذوي الشهداء والأسرى.
وبيّنت المصادر أنّ 33 أسيرا محررا تعرضوا للاعتقال منذ بداية الشهر الجاري بالإضافة إلى 5 من ذوي الشهداء، كما جرت 17 حالة اعتقال سياسي لطلبة في جامعات النجاح وبيرزيت والخليل والقدس المفتوحة وخضوري منذ مطلع حزيران.
وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس التشريعي د. عزيز الدويك إن ما ترتكبه أجهزة السلطة الأمنية مخالف لتوصيات لجنة الحريات المنبثقة عن المصالحة الفلسطينية، "بل يخالف القانون الأساسي الفلسطيني الذي يدعو إلى إطلاق الحريات العامة".
ووفق دويك فإن على السلطة العودة إلى حضن شعبها خاصة بعد إخفاق وزير الخارجية الأمريكي في بدء المفاوضات مجددا، "ورفض الاحتلال كل تنازلات السلطة"، مستهجنا إقدامها على التسبب بوفاة مسن فلسطيني بين يدي جهاز المخابرات.
وذكر أن الاتفاقات الأمنية مع الاحتلال تحكم الضفة الغربية، مشيرا إلى أن الاعتقالات تزيد وتيرتها في حال اقتربت المصالحة الفلسطينية.
وكشفت معطيات إحصائيةٌ النقاب عن اعتقال أجهزة أمن السلطة في الضفة واستدعائها أكثر من 118 من النشطاء والمواطنين وأنصار حركة حماس منذ بداية شهر حزيران الجاري.
ووفق الإحصائية التي أعلنتها لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة فقد نفذت أجهزة أمن السلطة 55 اعتقالا وأكثر من 63 استدعاء سياسيًا منذ بداية حزيران حتى مساء الخميس الماضي.
لجعلهم جنائيين
أما النائب في التشريعي م. عبد الرحمن زيدان فقال إن الاعتقالات ارتفعت وتيرتها دون مبرر، مشيرا إلى أن العادة درجت بارتفاع وتيرة الاعتقالات مع انعقاد جلسات المصالحة.
وذكر لـ"الرسالة نت" أن جهاز المخابرات بات نشيطا في الاعتقالات خلال الأيام الماضية التي استمرت ليومين أو ثلاثة.
وأوضح زيدان أن التحقيقات تركزت على استقراء آراء المعتقلين المؤيدين لحماس حول قضايا محلية ودولية وتكرار الأخبار المغلوطة التي تناقلتها وسائل الإعلام في محاولة للتأثير على آرائهم وتشتيتها وغسيل أدمغتهم.
وبين أن جهاز الأمن الوقائي مستمر في الاعتقال الذي يستمر أسبوعين أو ثلاثة ويهدف إلى عمل ملفات جنائية لنشطاء الحركة تخدم السلطة مستقبلا عند إجراء انتخابات مقبلة، منوها إلى أن تلك الملفات تجعل النشطاء مسجلين جنائيا، "ما يمنعهم الترشح لأي انتخابات بلدية أو تشريعية لاحقة".
وعما إذا كان هناك شعور بأي تغير مع الحكومة الجديدة في الضفة، لفت النائب إلى أن الحكومة صرحت منذ نشأتها بأنها لن تنتهج سياسات مختلفة عن سابقتها، "خصوصا أن هناك تكرارا للأشخاص أنفسهم في الوزرات"، ذاكرا أن رئيس الوزراء الجديد مرضي عنه من الاحتلال وأمريكا،" بل يخضع لإمرة الرئيس ويطبق سياساته".
وأكد زيدان أن الاعتقالات تتركز على أنصار حماس بنسبة 99% مع اعتقال عناصر من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية في بعض الأحيان، موضحا أن الاعتقالات تتجدد لعدد من الأشخاص، "كما إن السلطة تنتهج سياسة الاستدعاء التي تكون أسوأ من الاعتقال".
وفي سياق متصل، نفذ نشطاء حملة جديدة مناهضة للاستدعاءات السياسية والاعتقالات اليومية التي تمارسها أجهزة السلطة بحق أنصار حركة حماس في الضفة الغربية، واصطلح القائمون عليها تسميتها "مش فارقة معي" تعبيرا عن حالة الملل التي أصابت كثيرين جراء تكرار استدعائهم واعتقالهم في السجون الفلسطينية.
ووجدت هذه الحملة في صفحات التواصل الاجتماعي خاصة "الفيسبوك" ساحة للتعبير عن موقف المئات من الشبان الذين يقعون كلّ مرة تحت طائلة الاستدعاء والاعتقال السياسي، وتأتي أيضا بعد الحملة الأولى التي أطلقها شبان قبل نحو عامين تحت عنوان "مش رايح".
لا يطاق
الناطق باسم الحملة والناشط عبر صفحات الفيسبوك عامر منصور أكد بدوره أن ما تفعله أجهزة السلطة في الضفة محاولة لتدمير الشباب الفلسطينيين عبر إرهاقهم بسياسة الاستدعاءات.
وأشار منصور إلى أن الاستدعاءات بدأت نهاية الشهر الماضي مستهدفة طلبة الجامعات خلال الامتحانات النهائية من أجل أن يضيع الفصل الدراسي على نشطاء الكتلة الإسلامية في الجامعات، "ولحرمانهم فرحة التخرج لسنوات".
وأضاف: "ابتزاز أجهزة السلطة بحق المواطن في الضفة أصبح لا يطاق لأنها تساوم الناس على حاجاتهم مقابل الارتباط معها، وهي الطريقة نفسها التي اتبعتها قوات الاحتلال ولا تزال مع الفلسطينيين".
ويقول منصور وهو أحد الذين عانوا الاعتقالات السياسية والاستدعاءات: "الاستدعاء قطعة من العذاب، فهدفه الأول تدمير نفسية من يستدعى، فتمارس ضده وضد عائلته حرب نفسية من الدرجة الأولى عبر احتجازه طوال النهار في ظروف نفسية سيئة وتحت التهديد، في حين تكون عائلة الشاب المستدعى في حالة قلق على مصيره".
ويذكر الناشط أن سياسة الابتزاز لا تقتصر على نشطاء حماس، "بل إن عشرات المواطنين يراجعون في مقرات المخابرات والوقائي من أهالي الضفة ويجري ابتزازهم من أجل التعاون مع تلك الأجهز