قائد الطوفان قائد الطوفان

التوجيهي داخل سجون الاحتلال "سري للغاية"

أسرى داخل أحد سجون الإحتلال (الأرشيف)
أسرى داخل أحد سجون الإحتلال (الأرشيف)

الرسالة نت – عبد الرحمن يونس

يتحين الأسير أحمد أبو عاذرة (21 عامًا) فرصة انصراف الضابط الإسرائيلي عن رواق غرف الأسرى ليُخْرِج من أسفل وسادته كراسة التاريخ ويشرع بالدراسة على ضوء خافت، كونه طالب في الثانوية العامة (التوجيهي).

صعوبة بالغة يواجهها أبو عاذرة أثناء دراسته، فتجد عيناه تنظران للكراسة تارة، وتارة أخرى صوب نافذة الغرفة، وقد أرخى سمعه لصوت خطى الضابط الإسرائيلي الذي قد يطل فجأة ويحدث ما لا يحمد عقباه.

أبو عاذرة يقطن في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وله شقيق توأم اسمه (محمد)، اختطفهما الاحتلال من الأراضي الحدودية شرقًا، وحكم على أحمد بالسجن 5 سنوات في معتقل نفحة، أما الآخر فسُجِن في "ريموند" دون إصدار حكم بحقه.

الشقيقان تقدما لامتحانات التوجيهي هذا العام، ويعانيان ضغطًا نفسيًا كبيرًا؛ بسبب استفزازات الاحتلال المستمرة بحقهما، فهما ممنوعان من زيارة الأهل، باستثناء والدته التي تزوره مرة واحدة فقط كل ثلاثة شهور.

ويمنع الاحتلال جميع الأنشطة التعليمية داخل سجونه سواء الثانوية العامة أو التعليم الجامعي، ويتقدم الأسرى للامتحانات بعيدًا عن أعين الضباط في ظل إجراءات سرية رفض مسؤولون فلسطينيون مختصون الإفصاح عنها.

هي أشبه بلعبة "القط والفأر"، المطاردة التي تجري بين الطالب الأسير وضباط ما تسمى بـ (إدارة مصلحة السجون)، خشية القبض على الكراسة !

"هيثم" شقيق الأسيرين أبو عاذرة يقول لـ "الرسالة نت": "أُدخلت الكتب الدراسية لشقيقيَّ بسرية تامة، وهما يشكون ضغطا نفسيًا هائلًا (..) كم أتمنى أن ينهيا تقديم الامتحانات بنجاح".

ويشير هيثم إلى أن إدارة السجون تنقل شقيقيه من سجن لآخر في كل فترة، ما يدفعهم لترك كتبهم ومستلزماتهم الدراسية داخل الغرفة، ليضطر العائلة لاحقًا لتوفير كتب أخرى.

وذكر أن شقيقيه يشكوان إطفاء ضباط الاحتلال أنوار السجن ليلًا، فيصعب عليهم حينها إيجاد ضوء بديل.

ويطالب هيثم المعنيين باتخاذ الإجراءات المناسبة والضغط على حكومة الاحتلال من أجل إعطاء الأسرى حقهم في التعليم وتوفير الكتب.

سنوات المنع

بدوره، أكد سعد أبو الخير مسئول ملف التعليم في وزارة الأسرى بغزة أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع كل الأنشطة التعليمية داخل سجونه, موضحًا أن الوزارة تسعى جاهدة لتعليم الأسرى سواء داخل السجن أو خارجه.

وذكر أبو الخير في حديث لـ "الرسالة نت" أن وزارته نجحت خلال سنوات المنع أن تمنح شهادات الثانوية العامة لعدد من الأسرى, مطالبًا في الوقت ذاته, الأمم المتحدة والصليب الأحمر بالضغط على الاحتلال وتوفير حق المعتقلين في التعليم.

ونوه إلى أن امتحانات الثانوية العامة كانت تجري بشكل سلس قبل عام 2008, لافتًا إلى أن الأسرى تقدموا بطلب استئناف للمحكمة العليا الإسرائيلية من أجل تغيير قرار مصلحة السجون، إلا أن الطلب قوبل بالرفض.

وبيّن أبو الخير –وهو أسير محرر- أن الضغط النفسي الذي يعاني منه الأسير أثناء الامتحانات كبير للغاية "وإدارة السجون تراقب الأسرى بشدة ما يمنعهم من الدراسة بشكل جيد".

وأوضح أن الدراسة داخل السجن انتزعت سابقًا من بين أنياب المحتل نتيجة إضراب الأسرى عن الطعام عام 1992، واستشهاد بعضهم في سبيل توفير هذا الحق الذي ضمنه القانون الدولي.

قانون شاليط

من جانبه، قال توفيق أبو نعيم رئيس جمعية واعد للأسرى "إن إدارة السجون منعت منذ إقرار الاحتلال قانون شاليط قبل ثلاثة أعوام إدخال الكتب التعليمية ومستلزمات الدراسة للأسرى, وبالتالي حرموا من تقديم الثانوية العامة".

وأوضح أبو نعيم لـ "الرسالة نت" أن الاحتلال في السابق كان يسمح  بدخول مراقبين من وزارة التربية والتعليم التابعة للسلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو, أما بعد قانون شاليط فلم يسمح بإجراء أي نشاط تعليمي داخل السجن.

 وينص مشروع قانون شاليط -الذي أقرته الكنيست عام 2008- بفرض سلسلة من القيود على الأسرى، من بينها منعهم من الالتقاء بعائلاتهم وحرمانهم من حق التعليم وقراءة الصحف داخل السجن، ومنعهم من مشاهدة التلفاز والالتقاء بنظرائهم الأسرى، وعدم تحديد فترة السجن في العزل الانفرادي.

وأشار أبو نعيم إلى أن وزارة الأسرى بالتعاون مع التربية والتعليم أقامت مشروعًا من أجل إجراء امتحانات الثانوية العامة منذ عامين, منوهًا إلى أن النتائج تشير لتفوق بعض الأسرى في العام السابق في ظل المراقبة الشديدة جدًا داخل السجون.

وفي الجانب القانوني، قال سامر موسى محامي مؤسسة الضمير لحقوق الانسان "إن الاتفاقيات الدولية كفلت حقوق الأسرى على الدولة المحتجزة, ضمن مادة 94 من اتفاقية جنيف الرابعة".

وأوضح أن هذه المادة تنص على أن الدولة المحتجِزَة يجب عليها تشجيع الأسرى في الأنشطة الرياضية والدينية والتعليمية وتوفير الأماكن المناسبة لهذه الأنشطة, بالإضافة لمنح المعتقلين تسهيلات لمواصلة دراستهم, وكذلك الانتظام في المدارس والجامعات سواء داخل السجن وخارجه.

وأشار موسى إل أن (اسرائيل) تتعامل مع المجتمع الدولي بسياسة التضليل العام "فهي تلوح للعالم بأنها تعطي حق التعليم للأسرى الفلسطينيين". وأوضح أن إدارة السجون تضيِّق بشكل كبير على الأسرى، واصفًا عملية التعليم داخل السجن بـ"شبه مستحيلة".

وذكر أن حق التعليم مر بتاريخ طويل داخل السجون الاسرائيلية "إذ أنه في السبعينات من القرن الماضي حصل الأسرى على حقهم في ادخال القلم والكتاب والتعليم الأساسي، وفي عام 1992انتزعوا حق التعليم الجامعي، وبعد خطف شاليط انتقم الاحتلال من الأسرى وحرمهم من معظم حقوقهم، أهمها التعليم". وفق قوله.

ويأمل الأسرى الفلسطينيون أن يتحرك المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان للضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل ضمان حقهم في التعليم "على الأقل".

البث المباشر