غرفة مساحتها أربعة أمتار، مسقوفة بألواحٍ من "الأسبست" منتهي الصلاحية، تتسلل أشعة الشمس من بين ثقوب واضحة، وأمطار الشتاء غيّرت من لون جدرانها، وأسكنت بعظامها رائحة الرطوبة، مشكلة لوحات جدارية مهشمة ومليئة بالشقوق.
يضم البيت بداخله ستة أفراد، وعبارة عن غرفة أربعة أمتار طولاً بـ4 عرضاً، يتجمع به "المسكن، والمنام، والضيافة، والمطبخ، والحمام"، ومزين بصورة وجدها صغيرهم في أحد الشوارع.
ثلاجتهم هيكل بلا لحم، تنعدم بداخلها رائحة الطعام، ودولابهم كومة من الملابس الرثة، تجمعت فوق بعضها، لا ترى الشمس إلا من بين الشقوق، والغسالة غير مدرجة بقائمة التطور التكنولوجي لديهم.
جهاز التلفاز يجلس وحيداً في زاوية الغرفة، لا يتجاوز العشر بوصات، أحضره رب الأسرة، عندما كان عاملاً بالأراضي المحتلة، وعمر هذه التقنية يزيد عن خمسة عشر عاماً.
أم محمد، تجلس وأربعة من أبنائها، على فراش لـ "النوم، والضيافة، والخبز، وتناول الطعام"، تشكي همها، وتنتظر رمضان بفارغ الصبر، علّها تحصل على لقمة بها رائحة "اللحم"، سائغاً هضمها.
"يا أخي " صرخت الأم وهي تخفي دمعتها بين عينيها، "كيف لعقل أن يتخيل رجل وامرأته وأولاده وبناته يعيشون بغرفة واحدة (..) حتى أهلي يبدون خجلهم من المجيء إلى بيتي".
الأسرة تتكون من الوالد محمد (41عاماً) الذي يشتكي من غضروف أتعبه، وأجبره على ترك كل ما هو ثقيل، وزوجته سمر (40عاماً) هديل(20عامًا)، ومحمد (17عامًا)، وأحمد (14عامًا)، وسما ابنة السابعة.
رب الأسرة عاطل عن العمل، ومصاريف البيت يوفرها ابنهم الصغير أحمد، من خلال بيعه الذرة على باب بيتهم، ويوفر لهم نهاية اليوم خمسة شواقل، إن "نفّق" البضاعة، أو تبيت ليوم آخر وتفسد، ولا تستهوي الزبائن، فتخسر العائلة بدلاً من حصولها على قوت يومها.
تبتسم أم محمد، لتخفي دمعتها، إلا أن ايماءات وجهها كشفت الحزن في قلبها، لتنساب الدمعة من عينها وهي تقول " إلنا 25 سنة بغرفة نسميها بيت، وكل يوم نقول الله المستعان".
وتضيف " تعاقبت حكومات، وتجددت، ونحن نعيش أقل من مراحل العيش".
تمسح "الأم الحنونة" دمعتها، وتؤشر بأصبع السبابة تجاه باب الغرفة الذي خلع، ليوجد مساحة لشخص علّه ينام مكانه.
يقاطع الحديث صوت مواء قطة، حضرت للبيت، لتشارك العائلة في مسكنهم، لترفق بها الأم، وتعتبرها واحدة من أبنائها، تطعمها وتسقيها، رغم ضيق الحال والمكان.
وعند سؤالهم كيف توفرون الطعام، فيجيب الأب بلغة الحكيم "معدتنا وبنقدر نسترها، لو خبز وملح، بس عوراتنا كيف نسترها؟".
يتفقد العائلة أهالي الخير، حتى "وشوشت" الأم قائلة " من 20 سنة بنستنى رمضان يجي، عشان الناس تفتقدنا وتساعدنا".
البنت البكر "هديل"، تنام وسط أخوتها ووالديها، وعندما تحتاج تبديل ملابسها، هي أو أحد أفراد عائلتها، يعتمدون على مقولة "غمض عينيك بدي أغيّر".
الثانوية العامة، طموح يراود هديل، بعد أن أعادت دراسة هذه السنة للمرة الثالثة، وما زالت تطمح بتحقيق النجاح، إلا أن صراخ الجيران، وتكدس البيت، يمنعها من قراءة جملة واحدة بلا تكرار.
" لم يعتب باب بيتنا أي خطّاب لهديل، لأنهم يبحثون عن موظفات، بهذه الكلمات عبّر الأب عن حزنه على أبنائه من بعده.
شقيقها "محمد" –العام المقبل ثانوية عامة- يعايِرهُ أصدقاؤه، بعبارات " أنت يلي بتنام عند أمك وأبوك"، حتى يأخذ الحزن مجراه، فينظر للجالسين، ثم يقول " السنة الجاي توجيهي، ونفسي أدرس بغرفة لحالي".
لا راحة بالنوم، أو الطعام، أو حتى الاستحمام، داخل هذا البيت، الذي يصفها أفراد البيت بالـ"سجن"، إلا أنهم يرددون دائماً "الحمد لله رب العالمين".