قائد الطوفان قائد الطوفان

"المسحراتي" مثالًا.. مهن لا تظهر إلا في رمضان

(صورة أرشيفية)
(صورة أرشيفية)

الرسالة نت-حمزة أبو الطرابيش

ما إن تنتصف الشمس في كبد السماء, يخرج  سعدو من بيته متلهفًا وواضعًا على رأسه قطعة قماش مبللة بالماء البارد, لتخفف عنه حر أشعة الشمس, ويدفع عربته بابتسامة ممزوجة بالإرهاق بفعل الصيام التي يبيع عليها عصير عرقسوس متجهًا إلى سوق معسكر جباليا شمال قطاع غزة ليحجز مكانًا بين اروقته.

العشريني سعدو أحد العاطلين عن العمل، الأكبر بين سبعة أخوة، ينتهز شهر رمضان المبارك كفرصة مناسبة يستثمرها في بيع عصير العرقسوس , ليعتاش هو وعائلته مما يجنيه من مال لتوفير لقمة عيشهم.

 قطعة القماش المبللة التي وضعها على رأسه لتخفف عنه لم توقف سيل العرق الذي كسى جبينه نتيجة لحركته المتواصلة, يرفقها بنداءات وعبارات "أسود ذهب يا عرقسوس، مثلج يا سوس" ليجذب الزبائن على عربته المتواضعة الممتلئة بعصير العرقسوس المثلج.

يقول سعدو لـ"الرسالة نت" بعد أن تقشفت شفاه لجفاف حلقه بفعل الصيام لساعات طويلة "إن العرقسوس متوفر على مدار العام إلا أن شهر رمضان يعطيه نوعاً من الخصوصية في زيادة الإقبال عليه, بعد حرص الصائميين على شربه في موعد الإفطار.

"الرسالة نت" تجولت في أروقة السوق المليئة بالصائمين فمنهم من يصطحب ما تقبل عليه نفسه بشرائه, ومنهم من يستمتع بمنظر الازدحام ونداءات الباعة، وما يعرضون من منتجات رمضانية.

أما العم عبدو الذي يرسم رونقًا جميلأ بعبارته السوقية الممزوجة باللهجة المصرية, التي تخر في آذان الناس على الرغم من زحمة السوق.

يجلس الأربعيني هو وأبنائه زياد واياد أمام براميل المخللات بأنواعها, من الفلفل والزيتون والخيار والجزر, التي تخطف أنظار الصائمين ليتسابقوا على شرائها، لتكون مقبلات أساسية في موائدهم الرمضانية.

يزداد الإقبال على المخللات بشكل كبير في الشهر المبارك, فطبق المخلالات يفرض نفسه بقوة على مائدة الإفطار في غزة, مايدفع العم عبدو للاستعداد قبل أسابيع من قدوم رمضان بتجهيز براميل المخلل مع زوجته, لتكون مصدر رزق وفير.

وعلى بعد أمتار من العم عبدو يضع الشاب مؤيد طاولة إعتلاها بصحون حمص بلاستيكية التي تزينت بشكل جمالي بالفلفل الشطة والأسود, الذي يتلهف الصائم لشرائه.

مؤيد طالب جامعي منذ أن أقبل على الدراسة الجامعية استثمر شهر رمضان في بيع الحمص داخل زحمة السوق, ليوفر مبلغاً يشتري به ملابس تليق بذهابه لجماعته ومصروفه الجامعي.

ويضيف مؤيد "الحمص والمخللات وجبات أساسية على مائدة الإفطار، والحمد الله بترزق من هالشغلة, وبتساعدني في مصروف جامعتي".

ووسط زحمة سوق جباليا كان الحاج أبو عمر قد نصب عدته لبيع "القطايف" أمام محله المشهور في البقوليات, بمشاركة أبنائه وأبناء أخوته، بتحضير دوائر القطايف الصغيرة منها والكبيرة وفق الطلب.

ويلفت الحاج أبو عمر الذي توارث هذه المهنة عن ابائه واجداده  إلي أن مهنة بيع القطايف موسمية يقبل عليها الزبائن في شهر رمضان بشكل كبير, كونها أم الحلويات الرمضانية على الرغم من وجود أنواع كثيرة في المحلات.

وما إن يسدل الليل ستاره، يبدأ الشاب عبد القادر "المسحراتي" الذي توارث مهنته عن أبيه الهرِم,  يجول بين أزقة معسكر جباليا بصوت تطرب آذان المقبلين على الصيام تعظيماً لجماله.

"المسحراتي" المهنة التراثية صاحبة الطقوس الفكاهية وذات الحضور التاريخي التي تزين الشهر الفضيل برونق خاص, والتي ينطلق صدى عبراتها الدينية "يا نايم وحّد الدّايم يـا غافي وحّـد الله " وتواشيحها الخاصة" قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم"  لتشق السكون الذي خيم على أهالي غزة.

صاحب الصوت الندي يضيف "أكون مستمعاً للغاية  يا صاحبي وأنا أوقظ الناس لتناول السحور(..), هذه مهنة من التراث، ونحافظ عليه وسأنقلها لأولادي ولأحفادي بإذن الله".

رمضان شهر مبارك يحمل في طياته العديد من المهن التي تكون أشبه بظله، والتي يتغلب بها أهالي القطاع على فقرهم؛ ولا تقتصر المهن سالفة الذكر بظهورها خلال شهر الخيرات بغزة, بل تجد العشرات منها التي يسترزق منها الباعة، ويستلذ بحلاوة مذاقها ألسنة المواطنين.

البث المباشر