قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: "فتح" تقود شيطنة "حماس"

حسام كنفاني
حسام كنفاني

حسام كنفاني

منذ ما قبل "الانقلاب الثوري" في مصر، كانت حركة "حماس" الفلسطينية محور حملة إعلامية مكثفة تربطها بكل الأحداث المصرية؛ الاعتداءات على الجيش في سيناء يقودها مقاتلو الحركة، والمواجهات في الميادين بين المتظاهرين قوامها عناصر "حماس" وانقطاع السولار في القاهرة بسبب تهريبه إلى قطاع غزة، وتقنين الكهرباء نتيجة سرقة غزة للطاقة المصرية. هذه عيّنة من الروايات الإعلاميّة المصرية التي تشيطن "حماس" على خلفية العلاقة المميزة التي تجمعها بحركة "الإخوان المسلمين" الحاكمة سابقاً في مصر.

بعد الثالث من تموز/يوليو، أخذت الحملة طابعاً أكثر عدائية، وباتت تعتمد صيغة جورج بوش لـ"الحرب الاستباقية". وسائل الإعلام المصرية بدأت تروّج لتحضيرات من "حماس" لشن هجوم على الأراضي المصرية لإعادة الرئيس المعزول، محمد مرسي، إلى الحكم، ما يحتم تحركاً من الجيش لـ "رد العدوان"، يبدأ بإغلاق الأنفاق مع القطاع وإغراقها، وإغلاق معبر رفح، وتقنين حركة العابرين فيه، وبالتالي إعادة حصار إلى واقع أشد من ما كان عليه في أيامه الأولى، وكل ذلك تحت عنوان عريض هو "حماية الأمن القومي المصري".

لكن هل الحملة مصرية خالصة، أم انها قائمة على وقود فلسطيني؟ "حماس" دأبت على تحميل "فتح" مسؤولية تشويه صورتها، وكانت تشير تحديداً إلى القيادي السابق في "فتح"، محمد دحلان، على أنه المسؤول عن تغذية الحملة ضدها. لكن الأمور تبدو أكبر من ذلك، ومرتبطة بشكل عضوي بكيان السلطة الفلسطينية، ومن ورائها حركة "فتح"، ولا سيما أن الطرفين كانا ينظران بعين الريبة إلى العلاقة المستجدة بين "حماس" ومصر، ويتهيبان من دور أكبر قد يكون للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني. وجاء "الانقلاب الثوري" ليشكّل نصراً للسلطة و"فتح"، اللتين أرادتا الاستثمار فيه والبناء عليه لقطع أي جسر تواصل قد ينشأ مستقبلاً بين الحكم المصري و"حماس".

استثمار يتم التنسيق له على أعلى المستويات في السلطة الفلسطينية، وبمشاركة وإشراف مباشرين من الرئيس محمود عباس (أبو مازن). اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الذي عقد في الثالث عشر من تموز الحالي، كان حافلاً بالإشارات المباشرة وغير المباشرة لحجم الدور الذي تلعبه السلطة في عملية التحريض على "حماس". محضر الاجتماع، الذي حصلت عليه "المدن"، كان كاشفاً لبهجة النصر، ومحدداً لخطوات السلطة التالية، ولا سيما أنه لا يزال لدى السلطة تشككاً في نجاح "الانقلاب الثوري" حتى النهاية. هذا ما أوضحه حديث أبو مازن للمجتمعين، حين أشار إلى أن "الأمور حتى الان لم تنته، لكن بوادر النجاح موجودة". عباس تابع كلامه بالرهان على تطورات الحديث المصري، إذ قال "الحدث كبير وهام، وسيقلب موازين القوى، إذا نجح".

رهان عبّاس على الحدث المصري، وخصوصاً انعكاسه على الداخل الفلسطيني، لا يقتصر على الكلام، بل على أفعال تقوم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية. فأبو مازن أبلغ المجتمعين أن "الأجهزة الامنية على اتصال لحظي بأجهزة الأمن المصرية لإبلاغها بكافة تحركات حماس وتدخلاتها في الداخل المصري واتصالاتها مع الإخوان".

فحوى الاتصالات بالأجهزة الأمنية المصرية، التي كشفها عباس في اجتماع اللجنة التنفيذية، توضحها رسالة مؤرّخة في 14 تموز، مرسلة من مدير جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، اللواء زياد هب الريح، إلى عباس. ويشرح هب الريح، في رسالته، تفاصيل اجتماعه مع مدير مكتب الممثلية المصرية في رام الله، وإبلاغه بـ "تدخل حماس في الشأن المصري".

ويقول هب الريح "نقلنا صورة الوضع الداخلي لحماس وحال الإرباك الشديد الذي تعيشه بعد عزل الرئيس الإخواني محمود مرسي، ما اضطر الحركة إلى اتخاذ قرار بتقديم الدعم الكامل على الأرض لجماعة الإخوان المسلمين، بالتنسيق مع الجماعات السلفية والجهادية في سيناء، والبدء بتنفيذ سيناريوهات أعدت مسبقاً للسيطرة على بعض المناطق الحدودية مع قطاع غزة".

وتضمن اجتماع هب الريح بالمسؤول المصري تأكيداً على ضرورة عدم التصديق المصري لاي نفي يصدر من "حماس" في يخص تورطها بالأحداث داخل مصر، ويقول "ستواصل حماس الاتصال بالمسؤولين المصريين والإصرار على نفي تدخلها، لكنها في الوقت نفسه تكثّف نشاطها داخل سيناء، بالتعاون مع الجماعات الجهادية والسلفية، لاستنزاف القوات المسلّحة المصرية والهجوم على نقاط الجيش ونصب الكمائن، تحت إشراف القيادي القسامي رائد العطار"، الذي يقال إنه تولّى قيادة القسام خلفاً لأحمد الجعبري.

ولم يكتف المسؤول الأمني الفلسطيني بهذا القدر، بل أضاف إليه معلومات عن "تشكيل وحدة خاصة من كتائب القسام قوامها من 100 إلى 150 عنصراً مجهزين ومدربين". وتابع "الوحدة تنتظر عند الحدود مع قطاع غزة بانتظار ساعة الصفر للدخول إلى مصر عبر الأنفاق وتنفيذ عمليات في سيناء وخلق حالة فوضى في عدد من المناطق المصرية، والمساعدة في تهريب قياديات الإخوان المسلمين المعتقلين، كما حدث في سجن وادي النطرون"، في إشارة إلى هروب القيادات الإخوانية، ومنهم الرئيس المعزول محمد مرسي، من السجن إبان ثورة يناير. وختم هب الريح لقاءه مع المسؤول المصري بالتأكيد على ضروة التشدد سياسياً وعسكرياً مع "حماس" وقيادتها.

بين روايات هب الريح والروايات المتداولة في الإعلام المصري درجة كبيرة من التقاطع، تشير إلى أنها ذات مصدر واحد، يبدو أنه فلسطيني.

البث المباشر