بعيدًا عن الأنظار، ثمة أناس هنا في قطاع غزة لم يطرق العيد بابهم، لأنهم بكل بساطة، بعيدين عن أهلهم وأحبابهم هناك في أزقة الضفة المحتلة حيث ترعرعوا، ترى البسمة مرسومة على وجوههم، ولكن حسرة الإبعاد تربعت داخل قلوبهم قسرًا، ومازالت تسلبهم فرحة العيد عامًا بعد عام.
هم مجموعة من الأسرى المحررين لقبوا بـ" المبعدين"، بعد أن أبعدتهم قوات الاحتلال (الاسرائيلي)، من مدنهم في الضفة المحتلة –مكان سكنهم الأصلي- إلى قطاع غزة.
وفي ضفقة "وفاء الأحرار" الأخيرة أبعد الاحتلال أكثر من 165 أسيرًا من أهالي الضفة إلى غزة، و10 أسرى إلى تركيا، و16 أسيرًا إلى دمشق، فيما أبعد الى قطر 15 أسيرًا.
عيدنا يوم عودتنا
ومن العبارات المشهورة التي يرددها الاهالي في القطاع دائمًا "عيدنا يوم عودتنا"، وهذا هو حال المبعد سعيد شلالدة، الذي قال لـ"الرسالة نت" :" عيدي يوم عودتي إلى بيتي بالخليل، ولم شمل عائلتي، والعيش في أكناف أهلي وأحبابي".
ويضيف شلالدة :" على الرغم من اعتبارنا أننا بين أهلنا في غزة، وهم كذلك ، إلا أنني أشتاق لأهلي في مدينتي العزيزة الخليل، حيث ولدت وترعرعت، واصفًا مرارة البعد عن الأهل بالثقيلة.
ولفت إلى أن شوقًا كبيرًا يختلج داخل قلبه رغبة في لقاء أهله وخصوصًا بعد أن منع الاحتلال والدته من السفر والقدوم إلى غزة ورؤيته.
ولم يخف المبعد شلالدة شوقه وحنينه لتلك الأيام التي عاشها بين أهله في الضفة، معربًا عن أمله في أن يأتي العيد المقبل وقد تجمع شملهم.
حزن وألم
ويُعد عيد الفطر السعيد هذا العام هو العيد الثاني عشر لإبعاد "مبعدو كنيسة المهد" عن مدينتهم التي لطالما عاشوا في كنفها، رغم تلقيهم العديد من الوعود من قيادات السلطة الفلسطينية بحل قضيتهم في أقرب وقت، ولكن "لا حياة لمن تنادي".
ويفتح الإبعاد فصلًا جديدًا من الحزن والحسرة لمبعد كنيسة المهد فهمي كنعان، الذي وصف فرحة العيد بـ "المنقوصة" والممزوجة بحزن اللقاء.
ويقول كنعان لـ"الرسالة نت" :" نفتقد في العيد لزيارة الأقارب والأرحام، بالإضافة إلى أن أولادنا يسألونا: لماذا لا يأتون أقاربنا لزيارتنا مثل أقارب أصدقائنا؟"، مبينًا أنهم ومن باب السعي للفرحة يزورون بعضهم بعضًا - أي المبعدين-.
وأضاف :"هذا عيد الفطر الثاني عشر الذي يمر علينا في الإبعاد، وفي كل عيد، يجدد بصورة تلقائية لدينا الحزن والألم التي بدأت كجرح غائر منذ لحظة الإبعاد عن مدينتنا بسبب حرماننا من أهلنا، في مثل هذه المناسبات".
وأشار إلى أن يوم العيد أصبح لديه مع باقي المبعدين "يومًا عاديًا"، يخلو من مظاهر البهجة والسعادة التي اعتاد عليها، حيث يقوم المبعدون بالصلاة في ساعات الصباح الباكر، والانطلاق إلى البيت والمكوث فيه وبصورة معاكسة لما اعتاد عليه على مدار سنوات حياته.
"أرى ابني"
وفي الطرف الآخر، يعيش أهالي الأسرى المبعدين حالة من الفرحة "المنقوصة" في أيام العيد هذا العام، فعلى الرغم من فرحتهم بخروج أبنائهم من سجون الاحتلال، إلا أنها تبقى منقوصة بإبعادهم عن أهلهم وذويهم ليشاركوهم فرحة العيد.
الحاج أبو مراد الرجوب والد الأسير مراد الرجوب من مدينة الخليل بالضفة المحتلة والمبعد إلى غزة قال :" عندنا فرحة في قلوبنا بأن ابننا مراد قد خرج من السجن ويشارك اخوانه في غزة فرحة العيد ولكن هذه الفرحة منقوصة لأنه مبعد، وإن كان الوضع أفضل بكثير مما كان عليه في السجن".
وأضاف الحاج الرجوب لـ"الرسالة نت" :" طول فترة اعتقاله لم أراه أبدا إلا مرة واحدة في المحكمة، وعند إبعاده إلى غزة حاولت أن أسافر إلى مصر ثم غزة حتى أراه إلا أن الاحتلال رفض السماح لي بالسفر".
وبين شوق الأهالي وحنينهم لأبنائهم المبعدين، وفرحة العيد المنقوصة التي يعيشها الأسرى المبعدون، يبقى الأمل هو الشيء الوحيد الذي من الممكن أن يضعوا عليه أمنياتهم في اللقاء.