قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الجمال ضاع بين التعري والإغراء

أ. وسام عفيفة
أ. وسام عفيفة

بقلم /أ. وسام عفيفة

عندما تتعرى حسناوات في رام الله لخوض مسابقة جمال مع نشر صورهن على الملأ، يبدو الأمر عاديا، وربما يستطيع وزير أوقاف الضفة الغربية أن يجد تخريجه في فتاويه، في حين لو ظهرت فتاة بمكياج دون حجابها بعد تسريب صورتها من عرس يمكن أن تطير فيها رقاب في غزة.

 الانقسام بين شقي الوطن لا يرتبط فقط بصراع سياسي بين فتح وحماس على خلفية حسم عسكري من حماس او مخطط فتح للانقلاب، بل هو مكون ثقافي مرتبط بعادات وتقاليد، ساهمت في تكريسها سلطة متحررة في الضفة، وسلطة محافظة في غزة بالمفهوم الفلسطيني.

في رام الله نفسها انقسام بين بيئة وثقافة مخيم قلنديا حيث تزين صور الشهداء الثلاثة، روبين، ويونس، وجهاد، أزقته وحواريه، ومجتمع "جراند بارك" حيث التحضير لمسابقة "مس فاشن موديل".

لا يقبل المواطن الغزي التصالح مع التعري كي يوحد حسناوات شطري الوطن، ليس لأن حماس تدير غزة، بل لأن الناس لديهم كوابح دينية واجتماعية وثقافية ذاتية، كما أنه ليس من السهل إقناع عارضة في رام الله أن تشارك في المسابقة وهي ترتدي الحجاب، حتى لو أفتى لها شيخ من مشايخ السلطة بجواز كشف الوجه والكفين فقط لإبراز مفاتنها، ومراعاة تقاليد أهل غزة ومخيم قلنديا.

يمكن أن يتهمنا الحداثيون والتقدميون واللبراليون والتحرريون والمنفتحون بأننا منغلقون ومعقدون ولا نهتم بالجمال، لكن لو سايرت هؤلاء وسألتهم عن عناصر جمال مرشحات "الفاشن" في رام الله سوف تكتشف أن آخر شيء يلفت انتباههم هو سمات الحسن، وأن مستويات العري وأساليب الإغراء هي التي اجتذبتهم، وأنهم أسرى ثقافة استهلاكية تجارية تستخدم المرأة للترويج، هي ثقافة: "المينى جب"، و"البانتى"، والشورت، والبرمودا، و"التوب اللانجري"، و"التايت"، و"البيبي دول"، والجينز، و"الفيزون"، و"لو ويست"، وليس لأن "القالب غالب". هنا المرأة أداة للترويج والإغراء، وهي المستهلك في نفس الوقت.

في المقابل، البحث عن الجمال والاستمتاع به حالة إنسانية طبيعية، كما أن الترويج والإعلان ظاهرة تجارية ضرورية بعيدا عن الابتذال، ومع الحفاظ على كرامة المرأة وجمالها الحقيقي.

في تراثنا العربي تغزلوا في الجمال، وروجوا للتجارة لاستهداف المرأة، أفضل مستهلك حتى يومنا هذا.

انقطع ربيعة بن عامر والملقب بـ"مسكين الدرامي" إلى الزهد والعبادة، وهجر الشعر والشعراء. في عهد انعزاله قدم تاجر إلى المدينة يبيع خُمر النساء (بضم الخاء)، حيث يسترن وجوههن بها. وكانت النساء في ذلك الوقت قد تركن لبس الخمار، فكسدت بضاعة التاجر فخاف الخسران والعودة بخفي حنين فأشارت عليه جماعة من الناس: "لا يساعدك في بيعها إلا مسكين الدرامي الشاعر الشهير بالصوت الجميل".

توجه التاجر إلى ربيعة وقص عليه قصته فأجابه مسكين الدرامي بأنه قد هجر الشعر وانقطع للعبادة، حزن التاجر واغتم بسبب كساد بضاعته، وحين رآه مهموما صعب عليه أمر الرجل فغادر المسجد وقد استعاد شكل الشاعر القديم بإهابه وخطابه مجلجلا بصوت صخب الناس الذين فوجئوا به بينهم ينشد شعرا :

قل للمليحة بالخمار الأسود

ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبـــــد

قد كان شمــر للصلاة ثيابـــه

حتى وقفت له بباب المسجــد

ردي عليه صلاته وصيامـــــه

لا تقتليه بحق دين محمــــد

لو أحضر أمراء الموضة قردة وارتدت ملابس مثيرة، وقدمت عرضا مغريا بجسدها سوف يسيل لعاب بعض البشر من المنفتحين.

وعلى أية حال، يزعلوا ولّا يضربوا راسهم في الحيط، ولا واحدة من "مس فاشن موديل" رام الله جميلة.. كله صناعي.

البث المباشر