تساؤلات حول نوايا الجيش المصري اتجاه غزة

الجيش المصري
الجيش المصري

كتب: رئيس التحرير وسام عفيفة

لا يبدو القلق في عيون جندي من أفراد الأمن الوطني الفلسطيني على الحدود المصرية الفلسطينية استثنائيا وهو ينظر إلى الاجراءات العسكرية المصرية المتصاعدة منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو الماضي، بينما ترسل الانفجارات المتتابعة التي يسمع صداها في رفح الفلسطينية، ويشعر أهالي المدينة بقوتها نتيجة تفجير الجيش المصري أنفاقا على الحدود في الشق المصري، ترسل رسائل تهديد في حملة تعد الأوسع ضد الأنفاق منذ عقود.

ولو كان الأمر يقتصر على حملة ضد الأنفاق لما بلغ التوتر والقلق ذروته في غزة التي تديرها حماس في ظل حرب شبه معلنة من قيادة الانقلاب العسكري ضد غزة وحماس تدعمها آلة إعلامية ضخمة واتهامات سياسية وأمنية، تفتح أبواب الشيطان حول النوايا العسكرية المصرية المستقبلية، بينما تبدو فوهة مدفع الدبابة المصرية الموجهة نحو الحدود الفلسطينية علامة فارقة في موقع غزة وحماس في مفهوم الأمن القومي ضمن عقيدة الجيش المصري.

فهل يفعلها الجيش المصري وينفذ أكثر السيناريوهات سوداوية؟

حدود العمليات العسكرية

لا يمكن تحديد حجم ونوعية القوات والاسلحة التي سمحت (إسرائيل) للجيش المصري باستخدامها ونشرها في سيناء وعلى الحدود مع غزة، لكن يمكن لأي متابع لتحركات وعمليات الجيش المصري أن يكتشف حجم قوة جوية معتبرة تعتمد على طائرات الأباتشي الحربية فيما تنتشر على الأرض مدرعات ودبابات لم يكن من الممكن مشاهدتها في سيناء بسبب قيود اتفاق كامب ديفيد، في إشارة واضحة إلى حجم التوافق العسكري المصري و(الإسرائيلي) حول أهداف العمليات العسكرية التي لا تستثني قطاع غزة بأي حال ما دامت (إسرائيل) في صورة التطورات العسكرية الأخيرة، وفي هذا السياق أعرب اللواء احتياط "عاموس جلعاد"، رئيس المكتب الأمني والسياسي بوزارة الدفاع (الإسرائيلية)، عن الرضا (الإسرائيلي) عن الأنشطة التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء ضد ما سماها البؤر الإرهابية، مثنيا على تلك التحركات، خاصة في أعقاب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي ونظام الإخوان المسلمين.

وأوضح جلعاد، في تصريحات نقلتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن تلك هي المرة الأولى التي يشاهدون فيها الجيش المصري يتصرف بحزم ضد الجماعات المسلحة في سيناء.

وأضاف في كلمته خلال مؤتمر "التكنولوجيا والاتصالات"، الذي عقد في مدينة "هرتسيليا"، أن العملية التي يقوم بها الجيش المصري مثيرة للإعجاب، وبات المصريون الآن يدركون أن حركة حماس، المسيطرة على قطاع غزة منذ عام 2007، تشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي المصري، وأعرب عن سعادته بذلك الموقف.

"

اللواء احتياط "عاموس جلعاد: العملية التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء مثيرة للإعجاب

"

 فيما تبقى الولايات المتحدة حاضرة في الخلفية من خلال استمرار التمويل العسكري السنوي رغم التلويح بقطعها بسبب ما ارتكبه الانقلاب العسكري من مجازر بحق مؤيدي الشرعية في مصر.

هذا وتتولى "القوة 999 مقاتلة" -إحدى وحدات الصاعقة المصرية- العمليات العسكرية الأخيرة خصوصا في رفح مدعومة بجهاز المخابرات الحربية بالإضافة الى وحدات من الجيش الثاني والثالث.

 والمثير للاهتمام ان القوة 999 تختص في المهام القتالية شديدة الحساسية على الجبهة وخلف خطوط العدو، وهناك مهام خاصة لها تندرج تحت بند السرية وتعتبر من اقوى واعتى الوحدات الخاصة في الجيش المصري ولا يعرف عدد افرادها او اطقمها القتالية ويقابلها في (إسرائيل) وحدة سيرت ماتكال (Sayeret Matkal) الخاصة.

ويثير الاعتماد على هذه القوة علامات استفهام حول المدى العسكري والعملياتي للخطوط التي ستعمل خلفها إذا ما اعتبرنا ان سيناء منطقة سيادة مصرية أكثر منها منطقة خطوط خلفية للعدو الافتراضي.

موقع غزة من الأمن القومي

لكن أخطر ما في التحركات والحشود والإجراءات العسكرية الاخيرة أنها لم تقتصر على ملاحقة الجماعات المسلحة في سيناء، بل امتدت لتطال قطاع غزة من خلال حملة الانفاق وانشاء الحزام الامني على الحدود المصرية الفلسطينية، وربما كان الاولى من ناحية المنطق العسكري التفرغ لمواجهة الجماعات الجهادية في سيناء بدل استنزاف قواتها في مطاردة الانفاق وتفجيرها ثم اعادة نشر القوات على حدود القطاع.

لكن هذه الاجراءات تبرز حقيقة موقع غزة في اطار الامن القومي ضمن رؤية الجيش المصري التي شهدت تغيرات بعد اتفاق كامب ديفيد في العام 1978 حيث تتلقى مصر حالياً 1،3 مليار كل عام فيما يخص برنامج التمويل العسكري الخارجي وذلك في إطار برنامج يسمح لها بشراء المعدات العسكرية التي تنتجها الولايات المتحدة فضلاً عن المساعدات التقنية.

"

الزج بحركة حماس في أتون هذه المواجهة يطرح تساؤلات حول الحدود الجغرافية لحملة الجيش المصري وهل تطال الجار الشرقي؟

"

ويكشف ديفيد شينكر المحلل في مركز واشنطن للدراسات أن واشنطن عادة ما تبيع لمصر ما تطلبه من أسلحة متطورة للغاية. ورغم ذلك يجري في بعض الأحيان تعديل بعض الأنظمة أو منع توريدها للحفاظ على التفوق (الإسرائيلي).

فعلى سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن صفقة عام 2013 الخاصة ببيع 90 صاروخ كروز مضاد للسفن من طراز هاربون 2 قد تم تأجيلها لمدة خمس سنوات بسبب مخاوف من أن قدرات الهجوم الأرضي التي أظهرتها هذه الصواريخ من شأنها أن تغير من التوازن العسكري بين البلدين. ولتقليل هذه المخاوف، تم تخفيض قدرات هذه الصواريخ بشكل واضح.

شعار مكافحة الإرهاب

ومنذ استيلاء الفريق عبد الفتاح السيسي على السلطة بعد عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، ترفع قيادة الانقلاب شعار الحرب على الارهاب وهي الحجة التي يستخدمها للقضاء على خصومه في مصر، وتنفيذ عملياته العسكرية في سيناء، الا ان الزج بحركة حماس في اتون هذه المواجهة يطرح تساؤلات حول الحدود الجغرافية لحملة الجيش المصري وهل تطال الجار الشرقي الذي تربطه علاقة فكرية بحركة الاخوان المسلمين التي تتعرض لحملة تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، بدلاً من التركيز على القيام بإصلاحات ديموقراطية حقيقية.

ويبدو ان مهمة الجيش المصري التقليدية قد تحولت الى مهمات عسكرية ذات طابع أمني بخلاف الدور السابق في مواجهة (إسرائيل) وهو ما تشير له الباحثة سارة خاييس معتبرة ان الوظيفة الأساسية للجيش المتمثلة بالدفاع عن البلاد، لا تكاد تذكر. وبصرف النظر عن غزوة ناجحة قصيرة إلى ليبيا في العام 1977، لم يمارس الجيش المصري العمل منذ حرب الخليج الأولى. وكان سجلّه في نزاعات الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم في غاية السوء. وبعبارة أخرى، فإن الجيش المصري أشبه بإمبراطور يرتدي ملابس جديدة غير مرئية.

غزة في عقيدة الجيش المصري

ولا يمكن فصل الاجراءات والتهديدات العسكرية المصرية لغزة بعد الانقلاب العسكري في مصر بمعزل عن خطواته واجراءاته السابقة زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك خصوصا فيما يتعلق بظاهرة الانفاق وتنفيذ الجيش لمشروع الجدار الفولاذي على مرحلتين بدعم وتمويل امريكي غربي على ضوء المطالب (الإسرائيلية):

المرحلة الأولى من المشروع شملت تركيب أجهزة للكشف عن الأنفاق وهي أجهزة جيولوجية ذات تقنيات عالية في الكشف عن الصوت والحركة في باطن الأرض وعلى أعماق كبيرة، وقد بدأ العمل فيها منذ الربع الثاني من 2009 تقريباً.

أما المرحلة الثانية فتضمنت بناء جدار فولاذي بطول المنطقة الحدودية لعرقلة حفر الأنفاق.

"

مخاوف تتصاعد من ان يتولى الجيش المصري في المستقبل القريب مهام أخرى الى جانب خنق وتقييد القطاع

"

وفي وقت لاحق وفي منتصف يناير 2010 تم الانتهاء من بناء 60% من الجدار جميعها في الأماكن المفتوحة لكن تم ارجاء الحفر بسبب الأماكن المأهولة بالسكان لحين إيجاد حل للمنازل التي يعتقد أن أعمال الحفر ستأتي بأضرار عليها.

ويبدو ان هذه المشكلة يتعامل معها الجيش المصري اليوم من خلال حملة هدم المنازل وتشريد اصحابها ضمن مخطط انشاء الجدار العازل وتلتقي اهداف الجيشين المصري و(الإسرائيلي) من العملية ضد غزة منذ العام 2009 وحتى اليوم من خلال:

• تحقيق القدرة المصرية المطلقة في السيطرة على قطاع غزة.

• حرمان قطاع غزة من الإمدادات والمساعدات القادمة.

• وضع حركة حماس ضمن طوق مصري (إسرائيلي) محكم.

• التنسيق المصري (الإسرائيلي) الكامل في ترويض قطاع غزة عن طريق الضغوط التي تتم عبر آلية فتح وإغلاق المعابر.

 فيما تستفيد (إسرائيل) من تجفيف منابع السلاح التي تصل للمقاومة الى غزة عبر الانفاق، ما يفسر رفع مستوى التنسيق بين (إسرائيل) والجيش المصري، لكن مخاوف تتصاعد من ان يتولى الجيش المصري في المستقبل القريب مهام أخرى الى جانب خنق وتقييد القطاع وقطع امدادات السلاح، خصوصا بعد أن تمكنت أجهزة الامن في غزة مطلع الشهر الجاري من تفكيك شبكة من عناصر فتحاوية من بينها متعاون مع الاحتلال لتنفيذ مهام عسكرية في غزة ضد حماس وحكومتها، وكشفت الاعترافات عن دور للجيش المصري لتسهيل مهام هذه المجموعات للسيطرة على مدينة رفح والمنطقة الحدودية في اطار مخطط شامل لتنفيذ انقلاب عسكري في غزة.

 

البث المباشر