أثار إعلان الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق نيته الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة جدلا واسعا في الشارع المصري، حيث رأى خبراء عسكريون أن ذلك يأتي في إطار جس نبض الشارع فيما يتعلق بترشح العسكريين، بينما قال مراقبون أن لدى عنان رغبة شخصية بالترشح.
وتزامنا مع الإعلان عن ترشحه للرئاسة وقيامه بزيارات ميدانية لبعض قبائل محافظة مطروح، شرع عنان في الإفصاح عن مذكراته عبر وسائل الإعلام، لا سيما فيما يتعلق بالفترة الانتقالية إبان ثورة يناير، وهو ما استنكره خبراء سياسيون وعسكريون، وعدّوه محاولة لتقديم نفسه مرشحا محتملا في انتخابات الرئاسة المقبلة.
وأصدرت القوات المسلحة بيانا حذرت فيه الشعب من متابعة تلك المذكرات التي قد تؤدي إلى خلق حالة من البلبلة والإثارة، بشكل يمس أمن وسلامة القوات المسلحة ويؤثر على الأمن القومي، في ظل ظروف بالغة الدقة والحساسية. وفق البيان الذي نشره المتحدث العسكري الذي طالب فيه وسائل الإعلام ضمنيا بعدم نشر تلك المذكرات.
بالون اختبار
لكن خبراء إستراتيجيين وعسكريين يرون أن إعلان عنان ترشحه للرئاسة في هذا التوقيت المبكر قبل إقرار الدستور، ومن ثم قبل التعرف على نظام الحكم وصلاحيات الرئيس إنما هو بمنزلة بالون اختبار، للتعرف على موقف الشارع المصري من فكرة ترشيح شخصية عسكرية للرئاسة.
المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات الإستراتيجية اللواء عادل سليمان يرى أن الحديث عن انتخابات الرئاسة الآن سابق لأوانه، فلا أحد يستطيع التكهن بما يمكن أن تكون عليه الأمور في مصر، خاصة مع تصاعد التظاهرات الرافضة للانقلاب.
ويضيف سليمان لـ"الجزيرة نت" أن الإعلان عن ترشيح عنان للرئاسة إنما هو بمثابة بالون اختبار لجس نبض الشارع تجاه هذه الخطوة، كما يمكن أن تكون رغبة شخصية لدى الفريق في تحقيق إنجاز يضاف لرصيده.
ويتفق الكاتب الصحفي جمال سلطان مع رؤية سليمان في أن الإعلان عن ترشح عنان هو مجرد بالون اختبار لمعرفة اتجاهات الشعب تجاه ترشح القيادات العسكرية للرئاسة، لا سيما بعد تورط الجيش في انقلاب 3 يوليو/تموز الماضي وفض اعتصامي رابعة والنهضة.
ويضيف سلطان للجزيرة نت أن ذلك الإعلان هو تمويه من الجيش لإخفاء المرشح الحقيقي "الفريق السيسي"، لأن الجيش أصبح طرفا فاعلا في المعادلة السياسية المصرية، ومن ثم لا بد أن يكون له تأثير واضح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أخف الأضرار
ورغم الانتقادات الواسعة التي يبديها خبراء عسكريون وإستراتيجيون للإعلان عن ترشح عنان للرئاسة، يرى بعضهم أن عنان قد يكون المرشح الأفضل من بين الشخصيات العسكرية التي يمكن أن تترشح لذلك المنصب.
ويقول الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء عبد الحميد عمران إنه "رغم كون الإعلان عن ترشح عنان يربك المشهد السياسي الملتبس أصلا، فإن عنان يعد الشخص العسكري الأفضل من بين الأسماء التي قد تطرح لذلك، خاصة أنه يتسم بالتعقل وعدم التسرع".
ويرى عمران أن "ترشح عنان ربما يكون الأخف ضررا على الشعب المصري فيما يتعلق بترشح العسكريين للرئاسة، فهو أكثر تعقلا وأقل جنوحا من غيره إذا ما قورن بترشيح شخصيات أخرى لا سيما الفريق عبد الفتاح السيسي".
ويضيف عمران للجزيرة نت أنه "إذا أراد أي شخص عسكري الترشح للرئاسة فإن عليه أن يبتعد تماما عن المؤسسة العسكرية وألا يقبل دعمها له في الترشح، لأن ذلك سيضعف موقفه تماما".
خارج السياق
ويرى بعض المراقبين أن إعلان عنان هو مبادرة فردية، خاصة أن الوقت ما زال مبكرا بالنسبة لانتخابات الرئاسة. كما أنه سيصطدم بمسألة مهمة وهي هل الشعب المصري بعد ثورة يناير وأحداث 30 يونيو/حزيران وما تبعها ما زال على موقفه بأنه يريد أن يخرج من عباءة العسكريين أم لا؟ خاصة بعد ظهور شخصية عسكرية جديدة هي الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي.
ويعتقد المحلل السياسي والخبير العسكري اللواء طلعت مسلم أن "الإعلان عن ترشح عنان خارج السياق، ولا يتماشى مع مجريات الأمور في مصر الآن، لأن الظروف والأحداث تجاوزت الفريق عنان مع ظهور الفريق السيسي، الذي يعد الشخصية الأنسب للترشح وفق المعطيات الحالية".
ويضيف مسلم للجزيرة نت أن "المشكلة ليست في هوية الرئيس القادم عسكريا كان أم مدنيا، ولكن فيما سيفعل هذا الرئيس لتخطي الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تعاني البلاد منها، فهي المحك الرئيسي لنجاحه أو فشله".