مساعدات وكالة الغوث تتآكل، ودور كرت التموين يتراجع.. حكومة حماس تصرف نصف راتب لموظفيها، وحكومة أبو مازن، "حبة فوق وحبة تحت"، حسب الرشى السياسية. والقطاع الخاص يتأثر سلفا بإغلاق المعابر تحت الأرضية في رفح، بسبب عداء الحكام الجدد في مصر. بينما يمتلك المزاج والأمن (الإسرائيليين) إغلاق وفتح كرم أبو سالم بنظام القطارة، وفي ظل انسداد قنوات الرزق هذه، تنفذ نساؤنا عمليات انتشار واسعة في الأسواق على أبواب عيد الأضحى.
كما لا تقتنع المتسوقات بحجج واستغاثة فيليبو جراندي مفوض عام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بأن الممولين حولوا أموالهم إلى لاجئين آخرين باتوا يملئون الوطن العربي من سوريا إلى السودان إلى العراق، ولا تستشعر القابضات على رواتب أزواجهن ما يخفيه صمت المهندس زياد الظاظا المسئول عن المال في حكومة غزة، ولا تعترف الأمهات والزوجات بشكاوي رامي الحمد الله بأن السلطة مديونة "للرقبة"، وأنها يمكن أن تنهار بمجرد أن يحرد "الأمريكي" أو (الإسرائيلي).
الورطة الأولى التي نعيشها جميعا سواء في غزة أو الضفة أننا تحولنا لمجتمع استهلاكي تناطح رؤوسنا العنيدة سكان (تل أبيب)، ودبي، وهناك اتساع في الأيادي المبسوطة كل البسط، مع ظهور مسلكيات "الفشخرة".
وتكشف جولة سريعة في محال ملابس الاطفال خلال الموسم الحالي أسعارا تتراوح ما بين 40 دولار كحد أدنى و120 دولار للطفل الواحد ما يعني أن هناك الكثير مما يدفع.. ولهذا تشن الأمهات هجوما واسع النطاق، وتظهر حشود كبيرة منهن داخل المحال التجارية، والصرف شغال على قدم وساق، بينما قالوا في الأمثال: "المرأة عمارة" و"غناه من مرته و فقره من مرته".
الورطة الثانية: أننا تحولنا إلى مجتمع يعتمد على الديون، بأشكاله المختلفة سواء: مرابحة البنوك الإسلامية، أو قروض البنوك الربوية، وفي النهاية كله لازم يسدد، وبناء عليه تشكلت لدينا ظاهرة الجيوب "المخرومة" يعني: "اللي طايح رايح"، وتراجعت الإدخارات، ونسينا أن: "التدبير يثمر اليسير والتبذير يبدد الكثير"، وبالتالي أي هزة اقتصادية إضافية، سوف تكشف "حسب" معظم الناس، وعندها تتساوى الرؤوس أمام البنوك وأصحاب الديون والكفلاء، والنيابة، وإلا كانوا استفادوا من حكم الأجداد: "إن غلا اللحم فالصبر رخيص".
أما الورطة الثالثة وهي نتيجة الأولى والثانية: ظواهر النصب تزداد، ومن يسرق في بلدنا لا يسرق لأنه جوعان، بل يسرق لأنه اعتاد البطر، وإذا كانت: "اليد البطالة نجسة" فإن اليد الطويلة أنجس، وتقليد القطط السمان لا ينجح دائما و"المال ينفد حله وحرامه يوماً ويبقى بعد ذلك إثمه".
خلاصته: إذا لم نعدل سلوكنا الاستهلاكي بأسرع وقت، سينتشر الفساد تحت مسميات مختلفة، وسوف يبحث البعض عن فتاوي تبيح المال العام، وتشرعن طول اليد.
ومن لديه المال عليه أن يتذكر أن: "الثروة تأتي كالسلحفاة وتذهب كالغزال".