تداعب خيوط الشمس الذهبية شعر الطفلة الفلسطينية سما خالد أبو بكرة (4أعوام) وينعكس النور من وجهها كأنه البدر ليلة التمام.
بدت سما كزهرة ذابلة أمام منزل والدها الشهيد خالد أحد أبطال عملية "بوابة المجهول" القسامية شرق خانيونس جنوب قطاع غزة.
تبتسم الطفلة بخجل لمن يداعبها من الأهل, وسرعان ما تعود للصمت والذهول من احتشاد المواطنين أمام منزل عائلتها.
عيون "سما" كالليل؛ بيد أن بريق الدمعات المحبوسة في مقلتيها يتلألأ كالنجوم المبعثرة في فلك مضطرب بعد رحيل والدها.
تفهم الطفلة معنى الشهادة وأين يستقر الحال بالشهداء وترجو أن تنزل منازل الشهداء على درب والدها, حسبما تقول.
تقول سما ببراءة : "بابا استشهد, والشهيد في الجنة, بابا حكالي نفسه يستشهد, وما كان يحب اليهود أبدا".
حضور صور الشهيد خالد في عرس الشهادة يواسي "سما" بعد غيابه عن الدنيا وتقول: "بابا موجود في كل مكان, وصوره مرفوعة فوق بيتنا".
وتنتظر سما "الحلوى" التي وعدها بها والدها قبل ساعات من تلبيته نداء الجهاد وضرب المحتل "الاسرائلي" في مقتل.
وأوضحت بالقول: "بابا وعدني بالحلوى قبل أن يذهب إلى الجنة وأنا أنتظرها لأنه يحبني كثيرا".
ربما هنا لا تفهم الصغيرة بعد معنى الموت وأن والدها لن يعود إلى الحياة ليجلب لها الحلوى التي تحب وستدرك هذه المعاني إذا ما بلغت أشدها.
ونزل خالد أبو بكرة إلى رحم الأرض مقاوما, وخرج شهيدا, وعاد إليه بعد أن حمل على أكتاف الرجال في عرس مهيب تمناه طويلا.
أم عبد الرحمن والدة الشهيد خالد قالت, إنه كان يتمنى الشهادة دائما غير أنها كانت تدعو له بطول العمر.
وتضيف وقد مسها الضر: "رغم ألمي لفراق إبني فإنني راضية عنه لأنه اختار الطريق الذي سيوصله إلى الجنة".
أما زوجة الشهيد خالد فوصفت نبأ استشهاده بالقاسي, مبينة أنها كانت تتوقع الخبر دوما؛ لأنها تعرف نهاية الطريق التي يسلكها المقاوم.
وبينت أم سما أن زوجها أوصاها بأن تحسن تربية ابنته الوحيدة, وأن تحثها على حفظ القرآن الكريم.
وقالت الزوجة الصابرة إن إبنتها هي كل ما تركه لها خالد في الدنيا, متمنية أن تنشأ سما كما كان يتمنى زوجها الشهيد.
عبدالرحيم أبو بكرة شقيق الشهيد خالد بدا صابرًا محتسبًا يوزع الإبتسامات على كل من جاء يواسي العائلة.
وقال لمراسل الـ"الرسالة نت" إن الشهادة أقصى ما كان يتمناه خالد, ولطالما تحدث عن حلمه في قتل وأسر "الاسرائيليين" إنتقاما لدماء الفلسطينيين وتحرير الأسرى والمسرى.
وسبق الشهيد خالد في الشهادة شقيقه الأكبر عبدالرحمن أحد مؤسيي كتائب "أحمد أبو الريش" حيث اغتيل في كمين للاحتلال بخانيونس عام 2001.
واعتقل الشهيد القسامي خالد 10 أعوام لدى الاحتلال بعد أن طعن جنديا "اسرائيليا" قرب موقع كيسوفيم جنوب شرق القطاع.
وأوضح عبدالرحيم أن خالد نفذ عملية الطعن عام 1996 بشكل فردي انتقاما لقتل المدنيين جنوب لبنان وخاصة عندما رأى صورة طفلة قطع رأسها بغارة "اسرائيلية", حسب قوله.
وأشار إلى أنه اعتقل بعد العملية وحكم بالسجن 10 أعوام وكان يتمنى رؤية شقيقه الشهيد عبدالرحمن إلا أنه استشهد قبل خروجه من السجن.
وتابع : "رفض الاحتلال إطلاق سراح خالد بعض قضاء ثلثي المدة بزعم أنه من عائلة وصفها بالإرهابية في إشارة لشقيقه عبدالرحمن المطلوب للاحتلال".
ولدى خروج خالد من السجن التحق بكتائب القسام جنديا إلى أن وصل قائدا لسرية من نخبة الكتائب لها مهمات متعددة في مواجهة المحتل.
وتمنى عبدالرحيم أن يلتقي خالد وعبدالرحمن في الجنة بعد مشوار جهادي مشرف للعائلة ولفلسطين كلها.
قضى الشهيد خالد أبو بكرة حياته متنقلا بين ساحات الإعداد والتدريب وحفر الأنفاق على تخوم القطاع, علّ الأسرى يظفرون بنور الحرية عند نهاية النفق!