تعانق هامة والدة الشهيد محمد رشيد داود الثريا فخرا ببطولة فلذة كبدها الذي جندل الأعداء في عملية "بوابة المجهول" شرق محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة.
زيارة مسرح العملية والاطلاع عليه من كثب بدد آلام الأم المكلومة وهون عليها رحيل أحب الناس إلى قلبها.
وقالت (أم هاني) والدة محمد إنها خرّت ساجدة لربها لحظت وصول مكان استشهاد ابنها, وقبلت التراب الذي اختلط بدمائه الزكية.
وانتهت عمليات البحث عن الشهيدين القساميين محمد داود ومحمد القصاص يوم الخميس التاسع من نوفمبر الجاري، وصلى حشد كبير عليهما صلاة الغائب بعد تعذر العثور على جثمانيهما، في حين عثر على الشهيد الثالث خالد أبو بكرة سابقا ليوارى جسده الثرى.
الأم لا تنسى لحظة سماع نبأ استشهاد محمد الذي نقل إليها بعدما تنفس الصبح فجر الجمعة الأول من نوفمبر الجاري.
أنزلت السكينة على فؤادها واستقبلت القبلة ودعت له بالرحمة والقبول متمنية أن يكون قد أثخن المحتل (الإسرائيلي).
شقيقة الشهيد (أم فارس) رافقت والدتها إلى مسرح "بوابة المجهول" وقد بدت بمعنويات عالية وهي تتحدث عن نصر سطّره شقيقها ورفاقه.
وقالت إن استشهاد محمد ودفنه في مكان استشهاده سابقة وكرامة ستنبت انتصارات عدة للفلسطينيين خلال المرحلة المقبلة.
وأضافت (أم فارس): "وصلنا ببركة دماء محمد أراضينا المحتلة شرق خانيونس رغما عن أنف الاحتلال، وهذا تحرير جزئي لأرض الآباء والأجداد, وكلنا فخر بمحمد وباقي المجاهدين في فلسطين".
وأشارت إلى أن حفر الأنفاق بهذا الشكل والعمليات النوعية التي ينفذها الأبطال في غزة ظاهرة فريدة يجب أن تدرس للأجيال القادمة داخل القطاع وخارجه.
وعبرت (أم فارس) عن فخرها بعملية "بوابة المجهول", قائلة: "شرق خانيونس سيكون أول المناطق التي تحرر قريبا".
الأم قاطعت ابنتها وعادت بالذاكرة إلى نشأة محمد لتروي القليل عن حياته وهو شاب مقبل على الحياة كإقباله على الجهاد ومقارعة الاحتلال.
وأوضحت (أم هاني) أنه منذ نعومة أظفاره تميز بالذكاء، "كما كان وسيما متواضعا يألفه كل من يراه لعذب حديثه وطيب قلبه".
واستشهد محمد (26 عاما) قبل أن ينهي دراسته الجامعية في كلية الدراسات الإسلامية لانشغاله في مقارعة المحتل والإعداد لمواجهته.
شقيقته (أم فارس) عادت لتؤكد أن محمد كان حنونا لا يقطع الرحم ويعشق أبناءها وأبناء شقيقاته وأشقاءه جميعا.
وقالت: "حسبه أنه استشهد وهو مقبل غير مدبر في نفق صنع لانتزاع الحقوق الفلسطينية", مشيرة إلى أن الشجاعة لا تعجل الأجل، "كما إن الجبن لا يؤجله".
أما عن طفولته فأوضحت (أم فارس) أنه منذ صغره وهو يرتاد المساجد ويخوض المسابقات الدينية والترفيهية، "ويحصد الجوائز بفضل ذكائه ودقته".
وألمحت إلى أن محمد كان يتأثر كثيرا عندما يستشهد أي من أصدقائه لدرجة أنه قد يبقى صامتا لأيام ولا يختلط بأحد, قائلة: "كتبت له أبياتا من الشعر ذات يوم للتخفيف عنه بعد استشهاد صديق له".
ولم تخف (أم فارس) أنها كانت تعرف التحاق محمد بصفوف المجاهدين، "فهي كانت تفهمه ويفهمها", موضحة أنه ما إن تنظر إليه وينظر إليها تعرف أنه سيتوجه إللى مهمة ما, فيكتفيان بالابتسامة دون التصريح لبعضهما بعضا.
أما والدة الشهيد (أم هاني) فبحثت لمحمد عن عروس لمدة عامين متتاليين، وكلما وجدت من تناسبه لا يكتمل حلمها بزفافه عريسا في الدنيا لما أسمته "بالنصيب".
وفسرت الأم ذلك بالقول: "ربنا يريد أن يعطيه من الحور العين لأنه يستحق هذه الكرامة والمنزلة إن شاء الله".
(عصام) شقيق الشهيد قال إن محمد كان له أخا وصديقا, فقد غمره بالحب والعطف رغم أنه أصغر منه سنا.
وأضاف: "لا أدري كيف ستكون الحياة دون محمد.. كنت أعتمد عليه والعائلة في كثير من أعباء الحياة رغم انشغاله".
وأشار (عصام) إلى أنه أدى مناسك العمرة مطلع شهر أبريل من العام الجاري، وعاد فرحا متمنيا أن يرجع إلى الديار المقدسة.
محمد رحل عن الدنيا بعد مشوار مشرف من الجهاد والتضحية في سبيل دينه ووطنه, وبقي كل شيء في غرفته من المقتنيات ساكنا كسكون جسده في رحم الأرض.