عندما يمر الاسم على مسامع أي شخص تتوارد إلى ذهنه صور خضراء وورود وممرات جميلة تنحني بين جنان من العشب؛ ولكن حقيقة الأمر على عكس ذلك تماما تظهر من خلالها صور سوداء لتهويد يغدر بأصحاب الأرض.
"الحديقة الوطنية" أو "التوراتية" أو "التلمودية" لا تعدو كونها مشروع آخر يسابق الزمن لخنق أنفاس أولى القبلتين ومصادرة أراضي المقدسيين وعزل أحيائهم عن بعضها، ذاك هو الهدف ببساطة وراء إنشائها لا لأسباب دينية كما يزعم الاحتلال.
ويقول منسق مؤسسة الأقصى للوقف والتراث محمود أبو عطا لـ"الرسالة نت" إن المخطط يبدو في ظاهره بسيطا ولكن ما خفي منه أعظم؛ حيث أنه جزء من سلسلة حدائق توراتية تحيط بالمسجد وتحاصره، وعلى أراضي بلدتي العيسوية والطور.
ويوضح بأن الحديقة المزمع إقامتها تصادر مئات الدونمات من أراضي المقدسيين وتفصل أحياءهم عن بعضها وتشارك في حرب التهويد الشعواء التي تشنها بلدية الاحتلال على القدس وهويتها الإسلامية.
ولا يقلل أبو عطا من خطورة هذا المخطط على الواقع المقدسي؛ فإن تتم المصادقة عليه بعد جولات ماراثونية لحكومة الاحتلال وبدفع وضغط من رئيسها نتنياهو يكشف جزءا من المخاطر الحقيقية التي تهدد القدس وسكانها وتحديدا البلدة القديمة التي تنهشها طعنات المشاريع المتسارعة لتحويل المدينة إلى يهودية خالصة.
ويضيف: "هذه الحديقة المسماة بالوطنية كالخنجر المغروس في قلوب المقدسيين، فهي لا تحمل مضمون اسمها بل تضم كل أشكال العنصرية، عبر تاريخ عبري موهوم بمسميات عدة منها وجود حدائق مزعومة حول القدس، ومصادرة 750 دونما وهذا يخنق العيسوية والطور ويقلل إمكانية البناء والإسكان وزيادة عدد المقدسيين".
ولا تقتصر أهداف إقامة مثل هذه الحديقة المزعومة على ما ذكر فقط؛ بل تتعداها إلى التأثير على النسيج الاجتماعي وهو مشروع كبير لتفكيك الأسرة المقدسية التي هي عماد المجتمع الفلسطيني داخل المدينة، وعزل الأقصى عن بعده الفلسطيني والمقدسي كون محور التصدي للدفاع عن الأقصى هو الوجود البشري، فعزله سيقلل من إمكانية الرباط الدائم والاستفراد بالمسجد.
العيسوية مثالا !
وتعد بلدة العيسوية واحدة من ضحايا المشاريع التهويدية؛ فمعظم أراضيها صودرت تحت مسميات عدة كانت تختبئ وراءها مخططات عنصرية تقتل الحلم الفلسطيني بالتحرر.
ويبين محمد أبو الحمص من اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي العيسوية إن المشروع الجديد يقتطع ويصادر ما يقارب 500 دونم من أراضي البلدة والبقية ستسرق من أراضي بلدة الطور، لافتا إلى أن البلدة كانت مساحتها قبل احتلال القدس 12500 دونم صودر منها أكثر من 11800 دونم.
ومعنى ذلك أنه لم يتبق للسكان في البلدة والذين يبلغ عددهم 13 ألف نسمة سوى 600 دونم تمت مصادرة أكثر من 200 دونم منها لصالح مكب نفايات (إسرائيلي)، وترفض بلدية الاحتلال أن توافق على أي خرائط هيكلية من شأنها أن تسمح للفلسطينيين البناء في أراض تابعة للبلدة بادعاء أنها تحوي مناطق أثرية او مناظر طبيعية وحجج أخرى.
ويوضح أبو الحمص لـ"الرسالة نت" بأن البلدة محاطة من كافة جوانبها بمشاريع ومستوطنات يهودية، فمن الجنوب ستقام ما يسمى بالحديقة الوطنية، ومن الجهة الغربية الجامعة العبرية ومن الجهة الشمالية مستوطنة التلة الفرنسية ومن الجهة الشرقية أقيمت مستوطنة "معاليه أدوميم".
كل ذلك وما زال المفاوض يصافح يدا لا تريد للسلم مكانا ولا ترى في الأرض إلا هدفا للسرقة.