مقال: أبو الخيزران

أ.  وسام عفيفة
أ. وسام عفيفة

بقلم/ وسام عفيفة

برزت إحدى الشخصيات في أدب غسان كنفاني, أبو الخيزران الخصي في رواية رجال في الشمس،  شخصية انتهازية, تعاني من نقص الرجولة كونه مخصياً نتاج التعذيب الذي تعرض له.

أبو الخيزران يمر عبر النقاط الحدودية بالفهلوة, يصرخ في نهاية الرواية لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟  يتعامل مع جثث ضحايا السفر بإلقائها في مكبات النفايات.

بعض النقاد رأوا أن صفات هذه الشخصية تذهب بنا إلى الرمز الذي أراد كنفاني الإشارة له، بالإسقاط على القيادة الفلسطينية تاريخيا، التي أدت إلى إنهاء كثير من أشكال النضال النقابية والحزبية لصالح مصالحها الذاتية مع الاحتلال, وسلوكها المخصي تجاه قضية أبناء شعبها.

ويبدو أن شخصية أبو الخيزران بقيت حاضرة في موقع القيادة, تتآمر على المواطن لكي تحافظ على موقعها ونفوذها, تبيعه في المنافي, تعتبر تنازلاتها وخضوعها فهلوة سياسية, ولا يهتز شعورها الوطني وهي تسبب معاناة حياتية, ومعيشية, للفلسطيني المقهور, مقابل أن تؤكد شرعيتها الزائفة, تماما مثل رجولة أبو الخيزران الناقصة في الرواية التي تضيف أبعادا أخرى له وهو يعبر الصحراء بعلاقاته المباشرة مع النقاط الحدودية ضمن الرشوة والتهريب, ومعرفته بدقائق الأمور فيما يخص هذه المعابر, وقبضه ثمن تهريب أبناء جلدته.

ويبدو أن عقدة النقص ستبقى تلاحق أبو الخيزران اليوم, وكونه ليس كاملا, تدفعه كي يصارع من أجل إثبات ذاته, إثبات أنه صاحب القرار, ولو على جثث المنفيين في الوطن, رسالته: "لن تمروا عبر الحدود دون مساعدتي, لن أنير لكم عتمة الخزان حتى لو طرقتم جدرانه ألف مرة".

أبو الخيزران اليوم يتلقى الدعم والتمويل باسم المنكوبين والمنكوسين, وفي موجة غضب يخنقهم بعد حصارهم في صهريج الوطن, وكل ذلك من أجل أن ينال رضى الآخر, الشقيق.

أبو خيزران رجال في الشمس كان يوما مع الثوار, لكنه نتيجة التعذيب والضرر النفسي والجسدي, تحول إلى سمسار, مهرب, كفر بالثورة, بل تاجر بدمائها, أما أبو خيزران اليوم يواصل رحلة التلفيق وتقليص الوطن ليقود جيشا من المنتفعين, لكنهم قد يجدون أنفسهم محشورين داخل خزان ضيق على عربة سياسية متآكلة تقودهم إلى مجمع نفايات التاريخ, وآخر ما يتردد صداه في آذانهم, صرخة من الماضي للأديب كنفاني: إن كنا مدافعين فاشلين عن القضية فالأجدى أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية".

البث المباشر