فقدت مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر بريقها بعد سلسلة العمليات التي شنها الجيش المصري ضد الأنفاق الأرضية بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو الماضي.
وتبدو المنطقة الحدودية مقفرّة إثر توقف نشاط الأنفاق بعد أن كانت تمثل الشريان الذي يزود سكان القطاع الساحلي باحتياجاتهم منذ فرض الاحتلال "الإسرائيلي" الحصار في صيف عام 2007.
وهذا الواقع الجديد قلّص أعداد العاملين بتلك الأنفاق إذ لا يزال عشرات العمال يحفرون في باطن الأرض على أمل تخفيف الحملة الأمنية ضد تلك الأنفاق.
وخلال عهد الرئيس مرسي كانت مطاعم واستراحات ومحلات رفح تعج بالزائرين والمتسوقين الذين يصلون من مختلف محافظات القطاع ومن مصر أيضا.
ووصف الاقتصادي معين رجب الواقع الجديد بـ"المؤلم"، وقال معلقا لـ"الرسالة نت": "ما حصل بمنزلة زلزل اقتصادي".
وبفعل حملات الجيش المصري ضد الأنفاق توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل وأصبح التيار الكهربائي ضيفًا عزيزًا في المنازل الغزية إذ يزورها ساعات محدودة خلال اليوم الواحد.
وتوقف صالح سمعان عن بيع الأسماك القادمة من مصر خلال ساعات الليل في ميدان رفح وانضم إلى جيش العاطلين في المدينة.
يقول سمعان (32 عاما) بلهجة حادة "الله يخرب بيت السيسي وأيامه" في إشارة إلى وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي الذي قوّض عمل تلك الأنفاق.
ويضيف موضحا "حتى بعض المطاعم والاستراحات أغلقت أبوابها وسرّحت عُمّالَها في ظل هذا الشلل الذي ضرب المدينة".
وكان سمعان يسوق حوالي خمسين كيلوًا من الأسماك المصرية خلال ثلاث ساعات عمل في الليل وكثير من زبائنه كان لهم ارتباطات اقتصادية بالبضائع القادمة من الأنفاق.
واستطاع السيسي الذي عينه الرئيس محمد مرسي في منصب وزير الدفاع مكافحة الأنفاق خلال ثلاثة أشهر بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب.
وقد أمر الجيش باستخدام القوة والترويع من أجل تنفيذ هذه المهمة إذ دمر الجيش مئات الدونمات الزراعية وفجر عشرات المنازل المطلة على الحدود مع غزة.
ويكابد الفلسطينيون المعاناة في هذه الأيام مع دخول الشهر الخامس لوقف العمل في الأنفاق وكثير منهم يتمنى عودة العصر الذهبي الذي يمثله الرئيس مرسي القابع بسجن برج العرب شديد الحراسة.
وظلت نجوى حمدي المصرية المتزوجة من فلسطيني وتقطن في مخيم رفح تكيل السباب على الفريق السيسي بعد أن خرجت مصفقة له عند انقلابه على الرئيس المنتخب.
وكانت السيدة المصرية (40 عاما) تزور أهلها عبر الأنفاق شهريًا وتتلقى الإعانات المالية من أشقائها باستمرار.
تقول حمدي "السيسي الذي صفقنا له أغلق الأنفاق ولا يفتح المعبر إلا نادرا وأوقف عمل أشقائي وزوجي ودمر حقل أهلي في رفح المصرية".
وزوج حمدي يعمل سائقًا لكنه توقف عن العمل نظرا لارتفاع أسعار المحروقات القادمة من دولة الاحتلال.
وكان الفلسطينيون يستوردون أكثر من نصف مليون لتر من المحروقات يوميا عبر الأنفاق لكن عُشر هذه الكمية لا تصل خلال أسبوع في هذه الأثناء.
وأقسم عبدر ربه سمير الذي يمتلك مقهى وسط رفح أنه لا يستطيع توفير أجرة العمال وثمن الكهرباء في بعض الأيام جراء حالة الركود التي ضربت المدينة.
ويوضح سمير أنه يحاول التغلب على تلك الأزمة لكن الحلول لا تزال معدومة خصوصا أنه أنفق الكثير من المال من أجل تجهيز استراحته.
ويقر بسام الشاعر صاحب أحد المطاعم الشهيرة برفح أن مبيعاته تراجعت بنسبة خمسين بالمائة خلال الشهرين الماضيين.
ويشير الرجل إلى أنه اضطر إلى إغلاق أحد فروع بالمدينة في ظل هذا التراجع الحاد.
ونوه رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان إلى أن واقع المدينة بعد توقف الأنفاق عن العمل أصبح يرثى له خصوصا وأن كثير من المشروعات الاقتصادية كانت تعتمد على الحركة وتفق البضائع عبر الأنفاق.
وقال أبو رضوان لـ"الرسالة نت": "إن الأضرار لم تتوقف على الجانب الاقتصادي بل امتدت إلى البيئي والعمراني أيضا".
وأكد رئيس البلدية أن وقف عمل الأنفاق هو حصار جديد للشعب الفلسطيني بأيدٍ عربية للأسف, لكنه رأى أن هذا الحصار سيسقطه شرفاء الشعب المصري الذين يرفضون خنق أشقائهم الفلسطينيين.