إذا لم يحدث رد كبير من المقاومة الفلسطينية، فإنه يمكن القول أن التصعيد الصهيوني أصبح وراءنا، حيث بات من الواضح أن (إسرائيل) غير معنية بتصعيد قد يضطرها في النهاية إلى شن حملة في توقيت لا يناسب المصالح الصهيونية.
لقد هدف الرد (الإسرائيلي) بشكل أساسي إلى استعادة الردع في أعقاب عملية القنص، والإظهار لحركة حماس على وجه الخصوص أنه لا يمكن أن تمر هذه العملية مرور الكرام، علاوة على رغبة نتنياهو في استرضاء جمهوره اليميني.
إيران تتقدم على غزة
يخشى نتنياهو بأن يتحول التصعيد إلى كرة ثلج متدحرجة تفضي إلى حملة عسكرية واسعة، فهذا آخر ما يبحث عنه. عيون نتنياهو ترنو إلى جنيف، حيث ستلتقي القوى العظمى وإيران بعد 5 أشهر للتفاوض على الاتفاق النهائي بشأن البرنامج النووي الايراني، وهو غير معني بأن تلفت عملية واسعة في غزة أنظار العالم عن البرنامج النووي الإيراني.
يعي نتنياهو أن أي عمل عسكري ضد قطاع غزة سيكون مرتبطاً بالضرورة بسقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين، لذا فهو يخشى أن يلفت ذلك أنظار العالم عن الأوضاع في إيران، وسيقلص من الاهتمام العالمي بالبرنامج النووي الإيراني، مما يعني تراخي الحماس الدولي لمواصلة فرض العقوبات على إيران، خاصة في ظل المفاوضات الحاسمة التي سيجريها الغرب مع إيران.
وفي الوقت ذاته يخشى نتنياهو حدوث تدهور في مكانة (تل أبيب) الدولية. فمن المتوقع أن تنقل قنوات التلفزة في العالم في حي مباشر -في حال سقوط ضحايا- أشلاء الأطفال والنساء الممزقة، ويمكن أن يشكل هذا الواقع مسوغاً لاتهام قادة (إسرائيل) السياسيين والعسكريين بجرائم حرب.
خيارات محدودة
تدرك (إسرائيل) أن الأوضاع السائدة في قطاع غزة تشكل تهديداً للأمن (الإسرائيلي)، كما تعي أنها مطالبة بالعمل على عدم تعاظم التهديدات التي يمثلها قطاع غزة؛ حيث إن دوائر صنع القرار تتابع بقلق جهود حركة حماس الهادفة لتحويل قطاع غزة إلى مصدر تهديد واضح للكيان الصهيوني عبر مراكمة أكبر قدر من القوة التي تزيد من فاتورة أي عمل عسكري مستقبلي للصهاينة، ولا سيما عن طريق نقل المواجهة إلى العمل الصهيوني.
ومع ذلك، فإن (إسرائيل) تدرك أيضاً أنه لا يمكن أن تنهي هذا التهديد بدون إعادة احتلال قطاع غزة بشكل كامل، وهذا ما لا يؤيده القادة الصهاينة، باستثناء وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بسبب كلفته العسكرية والبشرية والسياسية الهائلة.
من هنا، فإن صناع القرار في (تل أبيب) يدركون أنه يتوجب الامتناع في الظروف الحالية عن أية خطوة يمكن أن تدفع (إسرائيل) نحو الغرق في المستنقع الغزي.
في الوقت ذاته، فأنه من الصعب على (إسرائيل) تبرير القيام بعمل عسكري على القطاع، لأنها تعتقد أيضاً أن حركة حماس غير معنية بالتصعيد.
الحفاظ على البيئة الإقليمية
على الرغم من أن (إسرائيل) تعي حجم العداء الذي تكنه سلطة الانقلاب للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ومع أنها ترصد الإجراءات التي قامت بها ضد المقاومة، إلا أنها تخشى في الوقت ذاته أن تؤدي عملية عسكرية (إسرائيلية) إلى إحراج الانقلابيين في مصر، وإظهارهم كشركاء للصهاينة في العمل ضد المقاومة الفلسطينية، مما يشكل مساً إضافياً بشرعية الانقلابيين.
قد لا تكون سلطة الانقلاب معنية بهذا الاعتبار أصلاً، لكن الحرص (الإسرائيلي) على عدم إفشال الانقلاب تجعل القيادة الصهيونية تضبط سلوكها بشكل لا يمس بشرعيته. ولا حاجة هنا للتذكير بالجهود التي بذلتها وتبذلها (إسرائيل) من أجل ضمان شرعية دولية للانقلاب.
وعلاوة على ذلك، فإن (إسرائيل) ترى في الجهود التي تقوم بها سلطة الانقلابيين ضد المقاومة، لا سيما محاربة الأنفاق سبباً لتقليص مبررات شن العدوان على القطاع، على اعتبار أن من شأن هذه الجهود أن تحد من إمكانيات المقاومة على صعيد التسليح.
وفي ذات السياق، تخشى (إسرائيل) أن تحرج عملية كبيرة في قطاع غزة الدول العربية التي يمكن وصفها بمحور الاعتدال، خاصة في ظل توافر الكثير الدلائل على التقاء المصالح بينها وبين (إسرائيل)، وفيما يتعلق بالموقف من البرنامج النووي الإيراني والرغبة في إفشال تجربة الإسلاميين في الحكم.
إن (إسرائيل) معنية تماماً بالحفاظ على الظروف التي تضمن تواصل التقاء المصالح بين الجانبين، ومما لا شك فيه أن شن عمل عسكري على القطاع يقلص من فرص التنسيق بين (إسرائيل) وبين هذه الدول.
إن المؤسستين الأمنية والسياسية في (إسرائيل) تنطلقان من افتراض مفاده أن مواجهات عسكرية بين المقاومة وجيش الاحتلال ستكون حتمية في المستقبل، عندما تتغير الظروف التي تسمح بذلك.