عدنان نصر- الرسالة نت
قطع رنين الصمت المطبق على حي السلام شرق مدينة غزة شدو طفلة صغيرة لم تتجاوز العشرة أعوام ترانيم جميلة لنشيد إسلامي " فلسطين يا أرض الهدى .. يانور عيني إلي ابتدى ... أرواحنا الكي فدا ..ورب السما يرعاكي".
الطفلة خلود كانت تعدو بين الخيام المحاطة بتلال الركام غير مكترثة بالرمال الساخنة، التي شهدت معركة حامية الوطيس في ديسمبر الماضي، ما دفع سكان الحي لهجرته قسرا بعد أن دمر الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم.
فرحة شهر رمضان غابت من عيون خلود، فمعظم زميلاتها هجرنها إلى مناطق نائية، واصفة أجواء هذا العام بالحزينة، فمسجد السلام المقابل لمسكنها البدائي لا تزينه الأضواء الملونة، لذلك تخشى الذهاب لتأدية صلاة التراويح فهي لا تمتلك فانوس رمضان كي تبدد وحشة الظلام.
ويعيش المشردون أوضاعا معيشية صعبة في خيامهم البالية مع تعثر جهود إعادة اعمار منازلهم المدمرة التي أصمت آذانهم من القريب والبعيد.
ورغم مرور ما يزيد عن تسعة شهور على الحرب الأخيرة، إلا أن جروحهم لم تندمل بعد، فمع كل مناسبة سعيدة تعود لأذهانهم ذكرى مؤلمة تزيد حياتهم بؤسا.
في منطقة مرتفعة تطل على مخيم الإيواء جلس المواطن الخمسيني أحمد نبهان الشهير بـ "القدسي" يستظل تحت خيمة قماشية بجانب كرفان استلمه من وزارة الأشغال، منشغلا بتنظيف الأسمنت من بعض الحجارة جمعها من أنقاض منزله الذي كان يضم ثلاثة أسر يسكنون الآن في مناطق متفرقة.
رمضان هذا العام ليس كغيره من الأعوام السابقة بالنسبة للقدسي، فأبناؤه وأحفاده لن يلتفوا معه حول مائدة الإفطار في انتظار آذان المغرب، ولا الأهل والجيران سيصلون معه التراويح- كما يقول.
الألم و الحزن اعتصرا قلب القدسي الذي خط الشيب رأسه، لفراق جيرانه الذين كانوا يتسامرون معه في أمسيات شهر رمضان حتى وقت متأخر، مشيرا إلى أن منطقة سكناه كانت ليلة من الجنان في شهر رمضان وأضحت منطقة أشباح في وضح النهار.
وتخلو مائدة القدسي من أصناف الطعام، والمقبلات الرمضانية فأغلب الأيام فطوره وسحوره من صنف واحد، ويقول بلهجة حزينة لـ" الرسالة" : من يرى أكوام الركام ، وشبح الظلام، تنسد شهيته عن الطعام، لافتا إلى أنه يشتري المياه على نفقته الخاصة لعدم صيانة خطوط المياه بعد الحرب.
وصب القدسي جم غضبه على المؤسسات الخيرية التي انهالت عليهم كالمطر عقب انسحاب قوات الاحتلال، وأخذت منه مئات الأوراق الثبوتية، ولم يجل بخاطرهم تفقد أحوالهم في رمضان، مؤكدا أن ما يصله الآن ربطة خبز واحدة من إدارة المخيم لا تغني من جوع.
وفقد قرابة 4500 أسرة غزية مأواها بعد أن دمر مسكنها في حرب الرصاص "المسكوب" تدميرا كليا، وعاد بعض السكان إلى منازلهم التي تضررت بشكل جزئي بعد أن رممتها وزارة الأشغال خلال الأيام الماضية.
نفس المعاناة والآلام يقاسيها المواطن أبو سالم عودة الذي يعيش في معزل عن سكان المخيم في بيت صغير مع زوجته وابنه الصغير الذي ولد قبل أيام.
وينظر عودة إلى ركام مسجد شهداء آل دردونة الذي سوته الجرافات الإسرائيلية بالتراب قائلا: لا أستطيع الصلاة في مسجد السلام، وترك عائلتي في تلك المنطقة الموحشة، فجيراني الذين كنت أثق بهم وآمنهم على أسرتي غادروا المنطقة وتركوني وحيدا.
وتتفاقم ظرفه القاسية عند انقطاع التيار الكهربائي الذي يجبره على السهر طويلا ، وغالبا ما يتناول سحوره على أضواء الشموع.
ويشير عودة إلى أنه كان يتلقى الـمساعدات من عدة جهات بعد شهرين من الحرب ، أما الآن فلم يدق بابه أية مؤسسة لتفقد أوضاعه المأساوية.
ويقول بمرارة:" كل عام رمضان يجمعنا، لكن هالمرة لا رمضان ولا غيره ممكن يجمعنا، والجيران كلهم على حالتي.
ويلوم القدسي وعودة المسئولين لعدم زيارتهما وتفقد أوضاعهما الصعبة، مطالبين بعدم تهميش المنطقة المنكوبة التي تحتضر يوما بعد يوم.