قائد الطوفان قائد الطوفان

"عبد الجواد" يعانق تراب نابلس بعد 12 عاما

 الاستشهادي أحمد عبد الجواد
الاستشهادي أحمد عبد الجواد

نابلس – الرسالة نت"

ربما يشاء القدر أحيانا أن تصاحب نفحات الشهداء ذكريات أخرى، تبعث في نفوس من عرفوهم مشاعر اللقاء الأخير، ورضا الأم، وقبلة الوداع.

ففي أجواء باردة وماطرة، كما هي اليوم في مدينة نابلس، قرر الاستشهادي أحمد عبد الجواد ابن كتائب القسام تنفيذ عملية استشهادية في مستوطنة ألون موريه المقامة على أراضي المواطنين شرق المدينة، ويرتقي شهيدا، لتكون هي الأجواء ذاتها التي ترافق جثمانه العائد لعائلته بعد احتجاز استمر12 عاما في مقابر الأرقام.

كان الثامن والعشرين من شهر آذار عام 2002 يوما ماطرًا شديد البرودة، وكان الشهيد في ذلك اليوم مفعما بالنشاط والحيوية وفرحا، لا أحد يعرف سر فرحته، فهو سيُزف اليوم عريسا – رغم صغره- إلى الحور العين.

"قولي الله يرضى عليك وادعيلي، ادعيلي الله يوفقَك"، كانت هذه آخر الكلمات التي نطق بها الاستشهادي أحمد عبد الجواد لوالدته، والذي كان طالبا في سنته الأولى في الجامعة، قُبيل خروجه من بيته قبل 12 عاما.

أصر أحمد على سماع دعاء الرضا والتوفيق من أمه قبل أن يقصد وجهته إلى مستوطنة "ألون مورية" قرب مخيم عسكر القديم شرق نابلس شمال الضفة المحتلة، ويرتقي شهيدا بعد اشتباكه مع حراس المستوطنة.

ساعد والده في محله بيع الأدوات الكهربائية، ثم توضأ، ووظّب شعره الذي طلبت منه أمه بأن يقص شعره، فقال لها: سأقصه غدا إن شاء الله!.

دعاء ووضوء، آخر ما قام به، وابتسامة وزعها الشهيد على أهل الحي بعد أداء الصلاة في المسجد، سلّم على الجميع فردا فردا، وبحرارة، وكأن لسان حاله يقول: سأشتاق لكم.

تروي الحاجة "أم إياد" والدة الشهيد تفاصيل تلك اللحظات التي قضوها مع أحمد، ربما هي لحظات عادية وروتينية، لكنها وبعد سماع خبر استشهاده أصبحت لحظات تاريخية حُفرت في عمق ذاكرة أهل الشهيد وأصدقائه، وكل من يعرفه.

تقول أم اياد في حديثها لـ"الرسالة نت": "لم نتوقع للحظة أن ينفذ أحمد عملية استشهادية، فكل من عرفه وهو ابن التسعة عشر عاما بقامته النحيلة، لم يتخيل تنفيذه هجوم مسلح في مستوطنة، أسفرت عن إيقاع أربعة قتلى وسبعة مصابين في صفوف المستوطنين".

وتضيف: "مساء ذلك اليوم، وبعد أن تأخر أحمد بالعودة إلى المنزل، راودني شعور غريب، وشرعنا بالبحث عنه، وحينما بث التلفاز خبرا عاجلا للعملية الاستشهادية، قلت لزوجي أن منفذها هو أحمد، فقال لي: "وحدي الله! أحمد مش تبع هاي الشغلات!"، ولم يكد يتم عبارته حتى نطق المذيع باسم منفذ العملية: "أحمد حافظ عبد الجواد".

تعجز كلمات اللغة، وقواميسها عن التعبير عن شعور أم الشهيد لحظة سماعها بهذا النبأ، خرّت الأم ساجدة لربها، ودعت الله أن يتقبله شهيدا، ووقفت بلا حراك، تستقبل جموع الوافدين إلى بيتها، تقف بينهم لكن لا تشعر بأحد، تراهم ولا تسمعهم، لا يتردد في سمعها سوى صدى آخر كلمات نطق بها فلذة كبدها "ادعي لي الله يرضى علي، ادعي لي: الله يوفقني".

دموع الشوق ممزوجة مع لوعة الفراق انسابت على مُحيَّا الحاج "أبو إياد" والد أحمد، حينما اتصلت سلطات الاحتلال بالعائلة لتخبرهم بقرارهم تسليم جثمان الشهيد اليوم الثلاثاء، بعد اثني عشر عاما من احتجاز جثمانه في مقابر الأرقام.

يقول أبو اياد وهو يعكف مع أبناءه الخمسة على تجهيز السرادق الذي سيجهّز لاستقبال المهنئين بالشهادة: "منذ أن تلقينا خبر وصول جثمان ابننا الشهيد، أجد صعوبة بالغة بتقبل الأمر واستيعابه، فالمشاعر التي تنتابنا أقوى بكثير من كل ما مر بنا خلال السنوات التي تلت لحظة استشهاد أحمد".

ويضيف: لقد قطفنا بحمد الله ثمرة إيماننا وصبرنا على فراق ابننا أحمد، وأعدُّ اللحظات التي أستطيع بها احتضان جثمان ولدي ودفنه في مقبرة المخيم".

ويشير إلى أن قرار تسليم الجثمان جاء بعد أن طلبت مؤسسة هموكيد الحقوقية في القدس من عائلة الشهيد بإجراء فحص ال DNA في تاريخ 5 _11 _2013، والتأكد من مطابقة النتيجة مع جثمان الشهيد.

ويستعد أهالي مخيم عسكر في نابلس لاستقبال جثمان الشهيد مساء اليوم الثلاثاء على معبر الطيبة قرب طولكرم، حيث سيتم دفنه في مقبرة مخيم عسكر بعد الانتهاء من مراسم التشييع والصلاة عليه ظهر غد الأربعاء.

كما قررت سلطات الاحتلال تسليم جثمان الاستشهادي عبد الكريم طحاينة من بلدة سيلة الحارثية قرب جنين مساء اليوم، بعد احتجاز جثمانه 12 عاما، بعد أن نفذ عملية استشهادية في حافلة (إسرائيلية) وقتل فيها (إسرائيلي) وجرح 25 آخرين، وقد تبنت سرايا القدس العملية حينها.

بدوره قال حسين أبو عرة الموظف الإداري في الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء لـ"الرسالة نت" إن سلطات الاحتلال قررت تسليم 36 شهيدا لعائلاتهم بعد أن أجرت لهم فحوص الـDNA في نوفمبر من العام الماضي.

وأشار أبو عرة إلى أن الاحتلال بدأ تسليم جثامين الشهداء بصورة متفرقة وليس دفعة واحدة، حتى لا يتم تنظيم احتفال مركزي بتحريرهم واستردادهم، كما حدث قبل نحو سنة ونص عندما استردت 91 عائلة شهداءها دفعة واحدة، حيث أقيم حفل مركزي كبير في رام الله لاستقبالهم.

ولفت إلى أنه مع استرداد جثماني طحاينة وعبد الجواد فإن عدد الشهداء المحررين من مقابر الأرقام يصل إلى ستة، وهي من ضمن دفعة تحرير جثامين ستة وثلاثين شهيد التي بدأت منذ نحو ثلاثة أسابيع.

البث المباشر