قائمة الموقع

نتنياهو لعباس: الاغتيال من أمامكم ودحلان من خلفكم

2014-02-08T08:00:05+02:00
عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

لم يقدم جون كيري وزير الخارجية الامريكي اي وثائق مكتوبة حتى الآن عن “اتفاق الاطار” الذي يريد فرضه على الفلسطينيين والاسرائيليين ويكون اساس مفاوضات الحل الدائم، ولكن ما تسرب حتى الآن على لسان مسؤولين امريكيين واسرائيليين يؤكد انه يتناقض كليا مع الثوابت الفلسطينية ويحقق معظم المطالب الاسرائيلية، في السيطرة على حدود الدولة الفلسطينية المنتظرة، والتحكم الاسرائيلي في معابرها، والاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، وحصر حق العودة للاجئين الفلسطينيين في اراض السلطة وفي اطار التنسيق الكامل مع الحكومة الاسرائيلية، ورهن بموافقتها، وان تكون العاصمة الفلسطينية “في القدس″ لا ان تكون القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس اكد في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز″ رفضه الاعتراف بيهودية اسرائيل، ولكنه لمح الى استعداده لقبول قوات من حلف الناتو لحماية “حدود اسرائيل” مع الدولة الفلسطينية والاردن. والقبول بأن يتم الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية في حال التوصل الى تسوية نهائية في غضون خمس سنوات.

ما هو معلن شيء، ولكن ما يمكن ان نفاجأ به في نهاية المطاف قد يكون شيئا آخر مختلفا كليا، واحد الامثلة التي يمكن ان نسوقها في هذا المجال هو تصريح احد المسؤولين المقربين من الرئيس عباس قال فيه “ان السلطة يمكن ان تقبل ببقاء اسرائيليين في اطار قوات حلف الناتو التي ستحتفظ بقواعد داخل الدولة الفلسطينية المنتظرة وعلى حدودها.

لا نرى اي فرق كبير بين قوات الناتو والقوات الاسرائيلية، وحتى اذا كانت هناك فروق، ستروج لها السلطة والمتحدثون باسمها لاحقا لتبرير اي اتفاق حول هذه المسألة، وتسويقها للشعب الفلسطيني بالتالي، على غرار ما حدث بعد توقيع اتفاق اوسلو، وكيف ستتحول غزة الى سنغافورة، هذه الفروق تتلاشى في ظل وجود جنود اسرائيليين تحت مظلة حلف الناتو وقواته.

الوزير الامريكي كيري سيعود الى الاراضي المحتلة قبل نهاية الشهر، وهناك تسريبات بانه سيقدم “اتفاق الاطار” مكتوبا الى الطرفين، وسيحمل من يرفضه مسؤولية افشال المفاوضات والعملية السلمية بالتالي، وما يترتب على ذلك من نتائج.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي بدأ يثير الكثير من العواصف، ويوعز للمقربين منه من الوزراء الليكوديين بشن هجوم شرس على كيري، واتهامه بمعاداة السامية، والعمل ضد مصالح الشعب اليهودي، كل هذا بهدف إرهابه والتأثير عليه، لفرض مطالبهم كاملة قبل الصياغة النهائية للاتفاق، وابتزاز اكبر تنازلات ممكنة من الفلسطينيين.

نتنياهو ضمن مسبقا ثلاثة تنازلات رئيسية ويتطلع الى المزيد من الفلسطينيين عبر الادارة الامريكية ووزير خارجيتها، الاول الاعتراف بيهودية الدولة، والثاني ان تكون عاصمة الدولة الفلسطينية في “ابو ديس″، والثالث اسقاط حق العودة بصورة نهائية. وهو الآن يريد ان يحصل على تنازلات اكبر، اي السيطرة بالكامل على اي دولة فلسطينية مستقبلية وحدودها تحت ذريعة ضمان امن اسرائيل الذي لا يمكن ان يحققه غير جيشها.

الرئيس محمود عباس ليس في وضع يؤهله لرفض هذه التنازلات المطلوبة منه امريكيا واسرائيليا، فأهمية القضية الفلسطينية تراجعت عربيا، والدول العربية المحورية (العراق وسورية ومصر) تعيش فوضى وحروبا اهلية وهو نفسه يعتمد اعتمادا كليا على المساعدات والحماية الامريكية لبقائه، وبقاء السلطة التي يتزعمها ولم يعد يملك اي خيارات اخرى بعد ان اسقط الكفاح المسلح من كل حساباته، واصبح يخشى من اللجوء للمقاومة السلمية وتفجير او تفجر انتفاضة ثالثة لانها ستكون ضد اسرائيل والسلطة معا، ولن يكون باستطاعته السيطرة عليها والتحكم بنتائجها “وخيار الصفر” اي عمل لا شيء هو افضل الخيارات بالنسبة اليه حاليا لكسب الوقت.

التهديدات للرئيس عباس تتعاظم في الوقت الراهن، وستبلغ ذروتها في الايام القليلة المقبلة، لاجبارها على الرضوخ للشروط الاسرائيلية وهي تأتي من اتجاهين:

*الاول امريكي: فقد حذره كيري بانه سيواجه مصيرا مشابها لمصير الرئيس الراحل ياسر عرفات في حال فشلت العملية التفاوضية التي يرعاها، ولم يقبل باتفاق الاطار، بينما اكتفى كيري بتحذير نتنياهو بفرض عقوبات على اسرائيل.

*الثاني اسرائيلي: فعلاوة على التهديد بالتصفية الجسدية ووردت على السنة العديد من المسؤولين الاسرائيليين بصورة غير مباشرة ومن بينهم افيغدور ليبرمان الذي وصف عباس بانه اخطر على اسرائيل من صواريخ “حماس″ وانه لا يصلح شريكا للسلام، علاوة على ذلك بدأ نتنياهو يعمل على اغتيال الرئيس عباس سياسيا، من خلال طرح السيد محمد دحلان وزير الامن السابق المطرود من حركة “فتح” كبديل له.

ارسال نتنياهو لمستشاره اسحق مولخو للقاء السيد دحلان في دبي اكثر من مرة، وتسريب هذه الانباء للصحف الاسرائيلية هو انذار واضح للرئيس عباس، بأن “البديل” جاهز في حال عدم قبوله بالشروط الاسرائيلية التي سيتضمنها “اتفاق الاطار” الامريكي كاملة.

السيد دحلان نفى هذه التسريبات الاسرائيلية بقوة في بيان رسمي الخميس، ولكن صحيفة “معاريف” الاسرائيلية عادت واكدتها اليوم رغم هذا النفي الامر الذي زاد الموقف غموضا.

وهناك من يقول ان هذه التسريبات الاسرائيلية عززت من موقف عباس عندما اظهرته بمظهر المتصلب واضعفت من موقف خصمه دحلان عندما اظهرته بمظهر المستعد للتنازل، مما يشكل ضربة قوية له، اي دحلان، في الوقت الذي بدأ موقعه يتعزز بعد لقائه مع المشير عبد الفتاح السيسي الرجل الاقوى في مصر وفتحه قناة مصالحة مع حركة “حماس″ وعودة عدد كبير من رجاله الى غزة.

اين الشعب الفلسطيني من كل هذه التحركات والطبخات واتفاقات الاطار؟ للاسف هذا الشعب مغيب تماما، وفاقد الحركة والمبادرة، ويعيش في ظلام دامس، فاذا كان اهل الداخل، وفي الضفة على وجه التحديد، لا يستطيعون التحرك والتعبير عن رأيهم من خلال مظاهرات احتجاجية بسبب الخوف من قطع الرواتب، وهذا ليس عذرا فالوطن اهم من الرواتب، فلماذا لا يتحرك ستة ملايين فلسطيني يعيشون خارج سلطة السلطة، ولا يعتمدون عليها ماديا او اقتصاديا؟

نقول بكل الم اننا لا نعرف الاجابة، بعد ان اعيانا التفكير والبحث عن الاسباب المذكورة آنفا، وكل ما يمكن ان نقوله بأن القضية الفلسطينية تقف هذه الايام على اعتاب التصفية النهائية وليس التسوية النهائية.

 

اخبار ذات صلة