يراقب الفلسطينيون لقاءات المصالحة بين حماس وفتح في غزة عن كثب ويعقدون آمالا عليها لطي صفحة الانقسام, بيد أن وجع الضفة التي تعاني كبت الحريات والإعتقال السياسي والتنسيق الأمني مع "إسرائيل" يعد بمنزلة حُفر قد تتعثر فيها عجلة الوحدة إذا ما دارت للأمام.
حماس في غزة سمحت قبل نحو شهر بعودة أعضاء فتح الذين غادروا القطاع عقب الإنقسام عام 2007 باستثناء من لديهم ملفات لدى القضاء الفلسطيني, كما أفرجت عن بعض المعتقلين الذين لهم إشكالات أمنية وسمحت بعودة نواب فتح الذين هربوا من القطاع لخلق مناخ ملائم للوحدة.
لا مبالاة
أما أجهزة السلطة فإنها تواصل حملات الملاحقة والإعتقال لأنصار حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة المحتلة, فيما تحتجز في سجونها عشرات المعتقلين السياسيين دون أي مسوغ قانوني ما اضطر بعضهم إلى دخول معركة الأمعاء الخاوية طلبا للحرية.
اللقاءات الجديدة في غزة جاءت من أجل كسر الجمود الذي يلف المصالحة بعد الإنقلاب العسكري على الرئيس المصري محمد مرسي في الثالث من يوليو العام الماضي, واحتدام الخلاف بين الحكام الجدد في مصر وحماس في غزة جراء محاولات توريط الحركة والفلسطينيين بما يجري في أرض الكنانة.
إتفاق جديد
نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي يزور غزة قال إن حماس وافقت على مبادرة تتعلق بتشكيل رئيس السلطة محمود عباس حكومة انتقالية من مستقلين لمدة 6 شهور، مؤكدا أن مسؤول ملف المصالحة في حركته عزام الأحمد سيزور غزة قريبا لوضع اللمسات النهائية على الإتفاق.
وأوضح شعث أن مهمة هذه الحكومة ستكون بحث بدء تنفيذ ملف إعادة الإعمار والانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني بعد الشهور الستة بالتوافق بين الحركتين.
ولفت إلى أنه خلال فترة الحكومة المنوي تشكيلها ستُعقد أيضًا اجتماعات مع اللجان السياسية والأمنية والمالية كافة التي ستضع بدورها البرامج التنفيذية للمصالحة.
جهود حماس
ولم تقتصر لقاءات تهيئة الأجواء للمصالحة الفلسطينية على حركتي حماس وفتح فحسب بل توسعت لتشمل عدة فصائل فاجتمع رئيس الوزراء إسماعيل هنية مع وفد من قيادة الجبهة الديمقراطية في غزة برئاسة عضو المكتب السياسي للجبهة صــالح زيدان.
وأكد زيدان أن هذه الجهود تأتي في إطار تهيئة الظروف لدعم اتفاق المصالحة بين طرفي الانقسام الفلسطيني واستئناف الحوار الوطني.
واقترح زيدان على حكومتي غزة والضفة تقديم استقالتهما من أجل التمهيد لإنشاء حكومة توافق وطني وإجراء انتخابات على أساس التمثيل النسبي الكامل.
بدوره, فإن القيادي في حماس بالضفة النائب حسن يوسف قال إنه يشعر بالارتياح لما يجري من لقاءات في غزة معربا عن أمله في أن تكون التوجهات صادقة ويحسم ملف المصالحة.
وقال في حديث لـ"الرسالة نت" إن الشعب الفلسطيني لن يحتمل أن يُصدم مرة أخرى بفشل الحوار الفلسطيني مؤكدا أن خطوات حماس والحكومة في غزة مهمة وصادقة وستستمر.
وأشار إلى أن حماس دائما ما تنحاز للقضية الفلسطينية وأن إجراءات الثقة يجب أن تبني حركة فتح عليها لتحقيق الوحدة وإنهاء صفحة الإنقسام التي وصفها بالمؤلمة.
وعبّر يوسف عن أسفه لعدم تحرك فتح والسلطة في الضفة نحو المصالحة قائلا: "وتيرة التغول الأمني تزداد في هذه المرحلة والإستدعاءات والاعتقالات على أشدها".
وأوضح أن بعض طلبة الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح ما زالوا قيد الاعتقال, كما أن طلبة الكتلة في جامعة بيرزيت مستمرون في الإعتصام لأكثر من 40 يوما.
وتوقع أن تكون فتح تريد المصالحة مع بقاء العصا الأمنية في الضفة, لافتا إلى أنه لا يمكن أن تتم المصالحة دون أن يشعر أبناء حماس بالأمان لأن الضفة جزء من قرار المصالحة.
وحمل يوسف حركة فتح المسؤولية الكاملة حال فشل الجهود الحالية بعد كل ما قدمته حماس, داعيا لتحقيق الوحدة والانتباه والتفرق لمقارعة الاحتلال "الاسرائيلي".
وتابع: "نلتقي مع الناس في الضفة والجميع يشيد بحماس وجهدها الوطني والأخلاقي بالتوجه نحو المصالحة الفلسطينية".
التقدم وارد
إبراهيم المدهون الكاتب والمحلل السياسي رأى أن الطريق ممهدة أكثر من أي وقت مضى أمام تحقيق المصالحة، مستدركا بالقول: "الأمور مازالت تشوبها بعض التعقيدات الإجرائية والتفصيلية، ولهذا المطلوب من الطرفين المرونة الكافية للتخلص من داء الانقسام السياسي والجغرافي".
وتوقع المدهون في حديث لـ"الرسالة نت" أن تذهب المصالحة لنتائج ايجابية أقلها تقليل حالة الاحتقان وزيادة التنسيق في معظم البرامج الوطنية في غزة والضفة.
وعزا المدهون سبب توجه فتح للمصالحة مع حماس في هذا التوقيت إلى قدرة الأخيرة على مواجه التحديات وكذلك إخفاق السلطات المصرية الحالية في التغيير من الواقع في قطاع غزة الذي راهنت عليه السلطة بقيادة محمود عباس.
وأكد المدهون أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة خطيرة جدا وتحتاج لإعادة رص الصفوف وترتيب المشروع الوطني وهذا يتطلب من الجميع النظر بشكل شامل ووطني، فلا غنى لحماس عن فتح ولا غنى لفتح عن حماس حسب تعبيره.
أزمة الطرفين
أما حمزة أبو شنب الكاتب والمحلل السياسي فرأى أن الأزمة الفلسطينية الراهنة دفعت الطرفين بقوة نحو المصالحة خاصة أن قطاع غزة الذي تديره حماس يعيش حصارا محكما وضغطا متواصلا وقطيعة سياسية مع مصر, وفي نفس الوقت تمر فتح بحالة من الضغط الخارجي والداخلي وخاصة أزمة خلافة عباس.
وفيما يتعلق بالخطة التي طرحتها فتح للمصالحة, فإن أبو شنب قال في حديث لـ"الرسالة نت" :"أعتقد أن الحديث عن إجراء انتخابات على الساحة الفلسطينية كمخرج للوضع الراهن هو تجميل للمشهد الحالي وخطوة مبكرة" .
وأضاف: "قبل الحديث عن الانتخابات يجب أن نجيب على سؤال هل ستسمح إسرائيل بإجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية ؟ وتكرار نموذج 2006 ؟ وكيف ستجرى انتخابات مجلس وطني في ظل الأوضاع غير المستقرة في الواقع العربي بالذات الساحة السورية واللبنانية؟".
وأكد أن حماس وفتح أمام محاولة جديدة قد تصل لمرحلة إدارة الانقسام في الحكومة والجميع يحاول في هذه المرحلة الانتظار أكثر من الإقدام على خطوات حقيقية كمناورة لتخفيف الضغط عليه.