غزة - كمال عليان – الرسالة نت
أصبح مألوفا مشاهدة مئات أو آلاف المعجبين ينتظرون نجمهم المفضل، حاملا كل في يده دفترا وقلما، والكل يحلم بالحصول على توقيع هذا النجم.
ولا يختلف هذا المشهد عن مشهد التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات، حيث يخط الرؤساء توقيعاتهم، محددين بذلك مصير دولة بكاملها حول قضية ما.
يقلد والده
ويقضي الطفل محمد عبد الحي، ابن الأربعة عشر ربيعا، أغلب وقته في البيت وهو "يخربش" على ورقة بيضاء أكثر من مرة، عله يستطيع أن يقلد والده في توقيعه المعقد، محاولاً بذلك إيجاد توقيع خاص يعبر به عن شخصيته التي لم تكتمل بعد.
ومع كل محاولة له في استنباط توقيع خاص به يستهلك أوراقا كثيرة لدرجة أنك تندهش من أن كل دفتره المدرسي هو عبارة عن توقيعات بسيطة، ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل، نظرا لأنه أراد توقيعا يميزه عن توقيع والده.
محمد هو نموذج لآلاف الناس الذين يبذلون جهدهم في الحصول على توقيع يميزهم عن الآخرين، لا سيما وأن موضة البصمة قد انتهت منذ زمن بعيد، وأن المجتمع بات لا يرحم من لا يعرف التوقيع بوصفه "جاهل"، أو "حجري".
توقيعا خاصا
ويحكي الشاب العشريني رشيد عز الدين لـ"الرسالة نت" عن بدايات محاولاته في إيجاد توقيعا خاصا به يوم أن كان في الثانوية: " كنت أستغرب من والدي وهو يخط على المعاملات وشهاداتي في المدرسة وأتساءل ما هذا الذي يفعله "، مبينا أنه علم بعد ذلك بأن هذا هو التوقيع الذي يثبت بأن والده قد شاهد شهادته المدرسية.
ويؤكد رشيد على أنه وجد صعوبة في بداية الأمر لكي يحمل توقيعا خاصا به، موضحا أنه استقر على توقيع مميز بعد مرور أعوام طويلة تنقل خلالها بين توقيعات متعددة.
ويضيف رشيد الذي يدرس في الجامعة مستوى ثالث :" في البداية كنت أكتب اسمي وأخط عليه بعض الخطوط معتقدا أن ذلك هو التوقيع"، لافتا إلى أنه بعد ذلك تعلم توقيع مشابه لتوقيع والده وأصبح يخطه في جميع معاملاته.
ويبين أنه مقتنع تماما بأن التوقيع دليل واضح على شخصية الفرد، ويمنح الثقة بالنفس، مشيرا إلى أن ذلك هو السبب في توتره في بداية الأمر.
وُيعتبر التوقيع وفق اختصاصيو التحليل السلوكي، بطاقة تحليل نفسي للبشر، ويخبر الآخرين عن جوانب خفية من الشخصية، مؤكدين على أنه ومن خلال التوقيع، يمكن معرفة ما إذا كان الموظف يتمتع بـ"أخلاق مهنية عالية، وبالمهارات الاجتماعية والاتصالية وبالحس الإبداعي.
كما ويمكن معرفة حب الموظف للعمل الجماعي، أو العمل وحده، وغيرها من الصفات من خلال توقيعه.
بشكل جزئي
ورغم أن هنالك العديد من علماء النفس، الذين لا يرون أن للتوقيع علاقة بتحليل الشخصية، إلا أن من يقبلون على تحليل الشخصية من خلال توقيعاتها، في تزايد مستمر.
وفي هذا الصدد يقول د.أسامة حمدونة رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر :"يعكس التوقيع إلى حد ما جوانب جزئية وخفية من شخصية الفرد"، مبينا أن التوقيع المعقد والكبير يدل على تعقيد الشخصية وصراعات بداخله، وأما التوقيع السهل فيدل على البساطة في الشخصية.
وأكد د. حمدونة على أن لكل شخص توقيعه الخاص والمميز، نظرا لاختلاف الأشخاص عن بعضهم البعض في جميع الأشياء، "وهذا أمر طبيعي".
ويبين اختصاصيي علم النفس أن الخط والتوقيع، يأتيان كنتيجة لتحركات دماغية انعكاسية غير مخطط لها، وهذا ما يجعل تحليلها دراسة لما في عقل الإنسان من عواطف وأفكار ومشاعر. وتعود أولى محاولات تحليل الخط، للشاعر الأميركي الكبير إدجر ألين، عندما قام بتحليل بعض خطوط اليد وتفسيرها ونشرها، وسمى هذا علم "الجرافولوجي".
والمدهش هو أن الشركات الكبرى العالمية، والحكومات في بعض دول العالم المتقدم، تعمد إلى توظيف الأشخاص بناءً على توقيعهم، وخط اليد الخاص بهم، لاكتشاف الجوانب الإبداعية والخفية في الشخص قبل التعيين، ولأن تحليلها أشبه بـ"فتح نافذة إلى الدماغ".
تزوير ولكن!
ويتعرض التوقيع في بعض الأحيان إلى تزوير من بعض الأشخاص المخلين بالقانون من أجل مصلحة معينة لهم، وهذا ما تكشفه المباحث العامة في الشرطة الفلسطينية، التي مر عليها بعضا من الحالات المشابهة.
ومن جهته قال الرائد فواز الصفطاوي مدير المباحث العامة في محافظة غزة :" تعد جريمتا التزوير في التوقيع واستعمال المحرر المزور من الجرائم الجزائية التي أفرد لها قانون العقوبات الفلسطينية مساحة من العقوبات"، منوها إلى أنها أقل حدوثا في عمليات التزوير.
وأضاف في حديث لـ"الرسالة نت":" من أكثر قضايا التزوير هي تزوير وثائق ومستندات وجوازات السفر وتقارير طبية وتزوير التوقيعات"، مبينا أن عمل المباحث العامة هو إثبات عملية التزوير وأخذ إفادة الجاني ثم يحول إلى مفتش تحقيق الشرطة ثم لوكيل النيابة المختص.