لا تزال أسعار صرف عملة الدولار الأمريكي تشهد انخفاضا ملموسا أمام العملات الأخرى كالشيكل واليورو وغيرهما، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الانخفاض.
ووصل سعر صرف الدولار أمام الشيكل في البنك أمس الأربعاء نحو 3.46 في حين سعر صرفه في السوق قرابة 3.45.
اقتصاديون عزوا في تصريحات منفصلة لـ"الرسالة نت" تدهور الدولار إلى الأزمات التي تمر بها واشنطن حاليا ، وازدياد الطلب على الشيقل.
ويذكر أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى كان السبب الرئيسي في الكساد التجاري العالمي على مدار عقد من الزمن باعتباره العملة المتداولة عالميًا، والتي تشكل احتياطيا لكثير من دول العالم.
تدخلات فاشلة
الخبير المالي الدولي الحسن بكر أكد فشل البنك المركزي (الإسرائيلي) في المحافظة على سعر صرف ثابت للدولار أمام الشيكل خلال الفترة الماضية على الرغم من تخفيضه لفوائد البنوك.
ورهن ابو بكر في تصريح لـ"الرسالة نت" هبوط الدولار لمستويات أقل من 3.39 بانخفاض سعر صرفه عن 3.44.
في حين يرى المتخصص في الشأن المالي والاقتصادي الدكتور رامي عبدو ان التغيّر الذي شهده سعر صرف الدولار مقابل الشيقل خلال الأشهر الماضية لم يكن بالكبير.
وقال:" شهد الدولار خلال العام الماضي نوعا من الثبات، في حين سجل بعض المكاسب على حساب العملات العالمية الرئيسية مطلع العام الجاري".
وأوضح عبدو أن البنك المركزي (الإسرائيلي) خفّض فوائده الاساسية اكثر من مرة خلال العامين الماضيين وذلك للمحافظة على سعر صرف الدولار ولكن بلا جدوى حتى هذه اللحظة.
الدولار والأزمة الأوكرانية
وعن علاقة الدولار بالأزمة الأوكرانية قال بكر: " تلك الأزمة دفعت المستثمرين الى البحث عن عملات أكثر أمانًا غير الدولار كاليوان الصيني والين الياباني الأمر الذي ادى الى تدهور قيمة صرفه".
في حين لا يعتقد عبدو أن الأزمة الأوكرانية لعبت دورًا كبيرًا في التذبذب الذي شهد سعر صرف الدولار خلال الأيام الماضية.
ويذكر أنه من الأسباب الأخرى لانخفاض الشيقل أمام الدولار، قوة الشيقل المستمد من قوة الإقتصاد (الإسرائيلي) الذي يمر بوضع جيد نسبيًا، كما أن (إسرائيل) أصبحت دولة مُصدّرة للغاز، والذي من شأنه أن يجلب العملات الصعبة وخاصة الدولار.
ومما تجدر الاشارة إليه أن الاحتياطي من الدولار في البنك المركزي (الإسرائيلي) يبلغ حوالي 84 مليار دولار.
ويسبّب الانخفاض المستمر للعملة الخضراء وارتفاع الشيقل، في ارتفاع أسعار الصادرات (الإسرائيلية)، وهذا له أثر سلبي على اقتصاد الاحتلال.
تأثير الدولار على الشيقل
من جهته، اكد المحاضر في كلية الاقتصاد في جامعة النجاح الدكتور نافذ أبو بكر ان سلطة رام الله تتكبد خسارة كبيرة بسبب تراجع قيمة صرف الدولار، عازيا السبب الى تلقيها المساعدات والمنح بالدولار.
ولفت في تصريح صحافي إلى أن سعر الصرف يؤثر كذلك على الاستيراد من الجانب (الإسرائيلي) كالسلع الزراعية والصناعية، إذ أن الفلسطينيين يستوردون من الاحتلال بالشيقل ذو القيمة المرتفعة، والمواطنون يستلمون رواتبهم بالدولار والدينار.
ويقصد بربط عملة بعملة أخرى، أن يتم تثبيت سعر العملة الأولى بالنسبة للثانية، وتسمى بسعر الصرف الثابت (fixed exchange-rate) والكثير من دول العالم تعتمد هذه الممارسة.
وتوقع أبو بكر أن يبقى سعر صرف الدولار متأرجحًا بين الارتفاع والانخفاض خلال الفترة المقبلة، منوها إلى أن الحالتين تضران بالاقتصاد الفلسطيني الذي يرتكز بصورة رئيسية على الدولار الأمريكي.
وتستمر الولايات المتحدة في ترحيل الأزمة من عام لآخر، ومن شهر إلى الذي يليه من خلال ضخّها لعملة الدولار في السوق، الأمر الذي يهدّد جليًا عملة الاحتياطي العالمي ويوشك على تنحيها جانبًا لتظهر عملات أخرى تأخذ مكانها.
التيسير الكمي
وللتخفيف المؤقت من حدة الأزمة يقوم "البنك الاحتياطي الفيدرالي" بطباعة كميات كبيرة من العملة الخضراء لتمويل العجز وترحيل الأزمة لسنوات قليلة مقبلة، الأمر الذي يؤدي لارتفاع معدلات تضخم عملة الدولار، وبالتالي استبدال مستخدميها بعملة احتياطية أخرى أو بشراء الذهب.
ويعتبر القلق من السياسات النقدية الأمريكية التوسعية، والتي ازدادت أعقاب الأزمة المالية العالمية، والمعروفة بسياسات "التيسير الكمي"، والتي يتعرّض خلالها قيمة الدولار الأمريكي للتراجع بالنسبة للعملات الرئيسة في العالم، من أهم أسباب دعوات البنوك المركزية في العالم لإحلال عملات أخرى كاحتياطي بديلًا للدولار المهتز.
وتجدر الإشارة إلى أن سياسة "التيسير الكمي" هي التي زادت من حجم الكتلة النقدية للمرة الثانية عبر تنفيذ مشتريات لسندات دين حكومية وغير حكومية، كان آخرها مشتريات بلغت قيمتها 800 مليار دولار، وهذه السياسة النقدية عملت على خفض قيمة الدولار ولا تزال آثارها تضعفه.
وتشير دراسات؛ إلى أن قيمة الدولار تراجعت خلال الـ12 عامًا الماضية بنسبة 40% بالنسبة للفرنك السويسري، و 30% بالنسبة للين الياباني، و 25% بالنسبة لليورو.
ومن الجدير ذكره أن البنك المركزي (الإسرائيلي) يحرص على حصر سعر صرف الدولار مقابل الشيكل بالعادة بين (3.20 -3.70) فإذا نقص عن هذا الحد يعمل البنك المركزي على المحافظة عليه دون الانخفاض لهذا المستوى، وإذا زاد يعمل على ضخ ملايين الدولارات من أجل تخفيض سعر صرفه.
وترجع أزمة انهيار الدولار إلى نهاية عام 2007 وبداية عام 2008 عندما وصل إلى أدنى مستوياته في التاريخ وذلك بسبب الأزمة المالية وأزمة الرهن العقاري حيث سجل اليورو مستوى قياسي أمام الدولار في شهر مارس من عام 2008 وصل إلى 1.60.