التهدئة مع الاحتلال تعني ألا تُقصف البيوت والسيارات، وألا يُقتل خيرة شبابنا غيلةً في الطرقات، وأن يتوقف حصار قطاع غزة لينعم سكانه بالأمن والحرية، إلا أن الاحتلال (الإسرائيلي) وبعدما التزم فترةً من الزمن عاد واستأنف عمليات الاغتيال التي كان أبرزها استهداف ثلاثة مقاومين من سرايا القدس. فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيسية التزمت الصمت طوال انتهاكات الاحتلال الماضية، مما أغرى (الإسرائيلي) لكسر معادلة التهدئة ومحاولة فرض رؤيته العدوانية على المقاومة، كما أراد أن يلعب على تناقضات العمل المقاوم واستهداف فصيل دون آخر. أبدع الجهاد الإسلامي بالرد على اغتيال مقاوميه وكان رده محكما وسريعا ومفاجئا وبكثافة نيران، ولم يسبقه تهديد ووعيد وتصريحات عنترية مما يبين نُضج وحكمة العقلية الجهادية الجديدة، ودليل واضح أننا أمام فصيل يستطيع المشاركة في إدارة المعركة بشكل قوي مع كتائب القسام، لتصبح لدى المقاومة الفلسطينية أجنحة تجيد التحليق والعلو بحكمة واقتدار. اختيار اسم العملية "كسر الصمت" أيضاً كان نوعاً من أنواع الإبداع يحسب للإعلام الحربي لسرايا القدس، حيث أظهرت كسر المعادلة التي أراد الاحتلال فرضها وذلك إعلان إنهاء الصمت الطويل للمقاومة، وأن الصمت لم يكن عبثياً ولا ضعيفاً، وإنما جاء حكمةً وإعداداً وتوافقاً واختياراً وتنسيقاً، لهذا فرض اسم كسر الصمت حضوره على العملية الجراحية العاجلة. تحاشي وقوع إصابات بشرية واختيار أهداف غير مأهولة لتحاشي إصابة مباشرة في الأرواح كان مقصوداً، وهذا دليل على أن هناك عقلية فلسطينية تعلم أن التهدئة ما زالت لصالح شعبنا ومقاومته، وحملت تهديداً أكثر منه رداً، وأن من يستطيع ضرب هذه الكمية من غير إصابات قادر على أن يصيب إصابات مؤلمة وقاتلة في أي معركة قادمة، وهذا فيه تحكم بإيقاع المقاومة وتعزيز قوة الردع النسبية. الحكومة الفلسطينية أثبتت مرةً أخرى أنها دعم وسند وظهير للمقاومة، فلم تكتف بتهيئة البيئة الحاضنة للمقاومة وإنما وقفت سياسياً وإعلامياً وأمنياً جنباً إلى جنب مع سرايا القدس ومع أي فصيل يريد ويقرر المواجهة مع المحتل، وكان لموقفها السياسي الداعم لسرايا القدس في كسر الصمت موقفاً بطولياً يؤكد أن هذه الحكومة مكسب لشعبنا ومقاومته وأن ما تتعرض له ليس إلا لأنها حكومة مقاومة، وهي جزء أصيل ومركزي في ثورة شعبنا ومقاومته. الواقع الإعلامي أيضاً كان حاضراً في المعركة وذلك عبر الخطاب الرسمي الراقي لقيادة الجهاد الإسلامي، فما قاله السيد رمضان شلح أظهر وحدة فهم ومشاركة ومصير وتكامل، مما ضاعف بكلماته من النتائج الإيجابية وقلل كثيراً من سلبيتها. الثلمة الوحيدة في المشهد أن عملية كسر الصمت لم تضع من ضمن أهدافها رفع الحصار عن قطاع غزة أو تخفيفه على أقل تقدير، وسمحت للمخابرات المصرية أن تتجاوز الحكومة الراعية للمقاومة، وأن تجدد التهدئة من غير تخفيف للحصار الظالم.