قائد الطوفان قائد الطوفان

اختلال التوازن المصري اتجاه غزة بعد 30 يونيو

جنود مصريين على الحدود مع قطاع غزة (الأرشيف)
جنود مصريين على الحدود مع قطاع غزة (الأرشيف)

الرسالة- أحمد الكومي

لم تمنع أخلاقيات الخصومة مصر أن تتوسط لإعادة تثبيت التهدئة بعد جولة تصعيد بين (إسرائيل) والجهاد الإسلامي، كسرت فيها الأخيرة الصمت بضربها الأراضي المحتلة بما يزيد عن مائة قذيفة صاروخية.

الوساطة المصرية خالفت يأس الشارع الفلسطيني في غزة، الذي توقع أن يخترق جيش مصر الحدود يوما ويخوض حربا ضد حماس، بعد شيطنتها وحظرها.

جولة التصعيد والوساطة أعادتا عجلة التاريخ عامين إلى الوراء، حيث حرب (حجارة السجّيل 2012) التي كانت القاهرة قد لعبت فيها دور "الوسيط القوي" بتدخل الرئيس محمد مرسي بعد ثمانية أيام من القتال الضاري، بدت فيها حماس بكامل غضبها بضرب (تل أبيب).

قوة المستوى السياسي بالقاهرة في الوساطة بين حماس و(إسرائيل) كان منبعها الشارع المصري، الذي بعث يومها القلق في القيادة (الإسرائيلية)، التي سارعت بطلب التهدئة نزولا عند شروط المقاوم الفلسطيني، بجانب رجحان كفة القتال لصالح الأخير.

الحال لم تدم طويلا بعد انقلاب 30 يونيو الذي أفرز مصر جديدة، بقيادة عسكرية أعادت حياكة مفهوم الصراع مع (إسرائيل) بما يكتب لها البقاء لأطول فترة ويجنّبها الاهتزازات، ونسلت في المقابل خيوط الأخوة مع قطاع غزة بعدائها المقاومة الفلسطينية تحت عنوان (محاربة الإرهاب)، الأمر الذي يدفعنا للسؤال عن موقف مصر (القيادة والشارع) من تصعيد محتمل ضد غزة.

"

يؤمن الفلسطينيون بأن أي حرب مقبلة ضدهم ستكون بمنزلة رافعة للشعب المصري والتيار المناهض للانقلاب هناك، وهو ما قد يفسر الوساطة المصرية لإعادة تثبيت التهدئة في غزة.

"

يقول الفقيه القانوني بهاء الدين أبو شقة نائب رئيس حزب الوفد المصري لـ"الرسالة نت" إن "موقف مصر من القضية الفلسطينية لم يتغير، هو ثابت منذ سنة 48، وهو رأي الشعب المصري بغض النظر عن القيادة التي تحكمه".

لكن القيادة التي تحكم الشعب المصري بعد 30 يونيو أظهرت الوجه الحقيقي لها مبكرا بإنزال الخصومة ضد حركة المقاومة الفلسطينية حماس في غزة، والخطير أنها أشركت معها شريحة واسعة من الشارع المصري عبر حملة إعلامية ألبست الحركة "ثوب الإرهاب"، وليس أدل على ذلك تصريح اللواء المصري المتقاعد حمدي بخيت لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، بأنه يفضل احتلال (إسرائيل) لقطاع غزة على حكم حماس!

وقال اللواء بخيت إنه "يرحب بأي احتلال (إسرائيلي) لغزة، ففي كل الأحوال سيكون أفضل من حكم حماس التي تقصف (إسرائيل) بالصواريخ ليلا ونهارا، وتحرم الشعب (الإسرائيلي) الإحساس بالأمن"، إلا أن نائب رئيس حزب الوفد يُصرّ على أن "مصر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقف متفرجة إزاء التصعيد ضد غزة، فهي تسعى دائما إلى تأمين حدودها وأرضها بكل ما تملك".

ومضى أبو شقة يقول: "إذا حدث عدوان (إسرائيلي) على غزة، فستقف مصر مع الشعب الفلسطيني في قضيته". ورأى أن من الأسباب الرئيسية لسوء الاقتصاد المصري هو ما أُنفق على القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية !

ومن الضروري الإشارة إلى أن مصر تواصل إغلاق معبر رفح البري في وجه الفلسطينيين لما يزيد عن شهر كامل، وتمنع أيضا عبور الوفود المتضامنة مع القضية الفلسطينية إلى غزة، فضلا عن تدميرها المنافذ الأرضية الحدودية، للحد من تجارة الأنفاق التي بلغ فيها حجم التبادل التجاري مع سيناء -التي تفتقر للتنمية- نحو ملياري دولار.

الذاكرة المصرية

غياب الخطوط الحمر لدى القيادة المصرية الحالية فيما يتعلق بغزة دفع الفلسطيني إلى تعليق آمال عريضة على الشارع المصري الذي يؤمن بأن "المعدن الحقيقي له يظهر لحظة التصعيد" رغم ما يعترضه اليوم من شوائب، بيد أن مصطفى ماهر شقيق مؤسس حركة 6 إبريل (أحمد ماهر) ونائبه، قال "إن الخريطة بالنسبة لتقسيمة الشعب المصري اختلفت بعد 30 يونيو" !

وأوضح ماهر لـ"الرسالة نت" أن "المشاغل الداخلية أثرت كثيرا على الاهتمام بالقضايا الخارجية، خصوصا القضية الفلسطينية، التي لم تعد مكانتها كما سبق لدى الشارع المصري، لأسباب عدة، أبرزها التناول الإعلامي، والرسائل التي يبثها النظام الحالي للشعب، وسوء فترة حكم الإخوان"، وفق قوله.

لكنه عاد وقال "إنهم سيتجهون في الأيام المقبلة نحو الدفع باتجاه تفعيل الدور المصري إزاء القضية الفلسطينية، وألا يصمت الشارع لممارسات الاحتلال (الإسرائيلي) ضد غزة".

وفيما إن كان الرهان قائما على الشارع المصري في الضغط على منع حرب ضد غزة، أجاب ماهر: "من الصعب استطلاع رأي الشارع المصري اليوم (..) المقاومة هي الحل، لأنها من ستجبر الطرف الآخر على التفاوض"، مضيفا: "المقاومة مشروعة لأن (إسرائيل) هي احتلال وعدو، نحن ندعم أي مقاومة مشروعة، لكن أولوياتنا حل المشاكل الداخلية".

ويعتقد مراقبون فلسطينيون أن الشارع المصري "عاطفي" وأن أي مواجهة في غزة كفيلة بإعادة الصورة الحقيقية له، وهو ما يخشاه المستوى العسكري المصري الذي اتجه نحو رفع درجة التعاون والتنسيق الأمني مع (إسرائيل)، بما يتنافى مع رغبة الشارع الذي يُعرف بـ"تكوينه الوطني".

ويتمنى الفلسطينيون أن تنعش جولة التصعيد الأخيرة في غزة الذاكرة المصرية، بما يضع القيادة المصرية الحالية في موقع "لا يُسمح لها بالاستمرار في الخداع". ويؤمن الفلسطينيون أيضا بأن أي حرب مقبلة ضدهم ستكون بمنزلة رافعة للشعب المصري والتيار المناهض للانقلاب هناك، وهو ما قد يفسر الوساطة المصرية لإعادة تثبيت التهدئة في غزة حديثا.

البث المباشر