نتنياهو يدفن فرص الدولتين.. بالأكاذيب

(صورة من الأرشيف)
(صورة من الأرشيف)

بقلم: عكيفا الدار

من الأمور الشهيرة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستعد منذ اليوم للاعتراف بفلسطين كالدولة القومية للشعب الفلسطيني، بينما الرئيس أبو مازن يرفض الاعتراف بإسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. ليس هكذا هو الحال.

نتنياهو يرفض الاعتراف بوجود شعب فلسطيني، تماما مثل غولدا مائير، مثلما قال في خطابه في مؤتمر ايباك، بالنسبة له الخليل هي فقط المدينة التي "اشترى فيها إبراهيم مغارة الماكفيلا"، بيت ايل هي المكان الذي "حلم يعقوب فيها حلمه"، القدس هي صخرة وجودنا. "حكم داود مملكته" منها.

فكيف يمكن الجدال مع ابن المؤرخ الذي يعلن بأن "توجد فقط حقيقة تاريخية واحدة". وإذا كان كذلك، فقد حان الوقت لإغلاق دوائر الآثار والتاريخ لبلاد "إسرائيل" وترك هذه المجالات في أيدي باحثي "جامعة ارئيل".

يبدو أن نتنياهو يعتقد بأنه إذا ما كرر لعدد لا يحصى من المرات الجملة السخيفة "توجد حقيقة تاريخية واحدة" – حقيقته – فإننا كلنا سنبدأ بالإيمان بمصداقيتها.

لقد استغل رئيس الوزراء الجلسة الخاصة للكنيست بكامل هيئتها على شرف نظيره البريطاني دافيد كاميرون كي يقول، "كانت عودة اليهود إلى صهيون هي التي أدت إلى هجرة عربية مكثفة إلى بلاد إسرائيل من الدول المجاورة للبلاد التي تبنى من جديد".

ولم يكتفِ نتنياهو بالطلب بأن يعترف الفلسطينيون بأن "إسرائيل" هي اليوم الدولة القومية للشعب اليهودي وهكذا ستبقى في المستقبل؛ بل قضى بأن "الفلسطينيين ملزمون بالاعتراف بالصلة التاريخية للشعب اليهودي بوطنه في بلاد إسرائيل وحقوقه فيها". بل وقرر بأنه "لا توجد هنا مسألة روايات، توجد هنا حقيقة تاريخية واحدة".

إن النظرية عن الصلة بين عودة صهيون والهجرة العربية المكثفة إلى " إسرائيل" هي ذخر حديدي في عائلة نتنياهو. فباستناده إلى كتاب ذكريات الملكة نور، يروي البروفسور آفي شلايم من جامعة أكسفورد في سيرة الملك حسين (اصدار دبير 2009) عن الحوار الذي جرى في لندن في تشرين الأول 1997 بين الملكة نور وسارة نتنياهو.

عندما وصل الزوجان نتنياهو، كما يروي شلايم، كانت الملكة في الحمام وفوجئت بإن تكتشف في شقة الاستضافة السيدة نتنياهو، كون المسؤولين عن الاحتفال اتفقوا بأن يأتي رئيس الوزراء وحده.

نزلت نور إلى غرفة الضيوف بينما كان شعرها ما يزال مبلولا، مصممة على أن تقدم أصول الضيافة للضيوف والامتناع عن السياسة. وأثنت على مبادرة المؤرخين الإسرائيليين والعرب على ازالة الرسائل الدعائية من كتب الطرفين.

وردا على ذلك ثارت السيدة نتنياهو: "ماذا تعني الدعاية؟" فأجابت نور إن أحد الأمثلة على الأسطورة المشوهة هي النظرية عن بلاد إسرائيل كبلاد بلا شعب – لشعب بلا بلاد، بينما كانت عمليا أجيال من الفلسطينيين تعيش فيها آلاف السنين.

ولسماع ذلك ثارت السيدة نتنياهو مرة أخرى: "ماذا يعني هذا؟ عندما جاء اليهود إلى المنطقة لم يكن فيها عرب على الإطلاق. جاؤوا يبحثون عن عمل عندما أقمنا نحن المدن، قبل ذلك لم يكن هناك شيء"، "انا واثقة من أن الكثيرين من مؤرخيكم سيوافقون على أن هذا ليس دقيقا"، أجابت نور. الحديث فتح عينيها. وتساءلت أي مفاهيم شوهاء أخرى قد تمنع العمل المشترك من أجل تحقيق سلام دائم.

تساؤل مشابه ينشأ عن أقوال قالها نتنياهو نفسه في نهاية الأسبوع، في تراشق الكلام مع رئيسة ميرتس زهافا غلئون في الكنيست، بالنسبة لطلبه أن يعترف أبو مازن بـ"إسرائيل" كالدولة القومية للشعب اليهودي.

وكرر نتنياهو ثلاث مرات جملة "حقيقة تاريخية واحدة"، وشرح بـ"أن يكون هناك طرف فلسطيني من 43 – بالتأكيد أقبل ذلك"، ولكنه أضاف على الفور "لا يمكن تغيير الماضي، لا الماضي التوراتي ولا ما بعد التوراتي ولا ما حصل في بلاد اسرائيل في القرن الـ 19 وفي القرن الـ 20". يمكن الفهم من ذلك بأن نتنياهو مقتنع بان الضربات العشرة، شق البحر الأحمر وقصة بيع يوسف للإسماعيليين هي "حقيقة تاريخية". ولكن لحظة، من أين جاء الإسماعيليون إلى نابلس خاصتنا؟

البروفيسور حاييم غانز، واحد من أولئك الباحثين الإسرائيليين الكثيرين الذين يشككون بمدى مصداقية نظرية نتنياهو، كتب في كتابه "نظرية سياسية للشعب اليهودي" بأن الحجة التاريخية – الملكية لتبرير الصهيونية وفرت دافعا مركزيا لأكاذيب التأريخ الصهيوني. "إذا غاب اليهود عن بلاد إسرائيل الف سنة فأكثر بعد أن تركوها بين القرن السابع والقرن الـ 11، واذا ما في زمن غيابهم عنها كانوا منشغلين أساسا بالحياة التي عاشوها في أماكن وجودهم".

ويكمل غانز: "فكيف يمكنهم أن يدعوا بانهم كانوا أصحابها في الزمن العتيق ولم يكفوا عن أن يكونوا أصحابها على مدى كل زمن انقطاعهم المادي عنها؟".

في مقاطعة تمت أثناء خطاب غلئون قال نتنياهو: "يوجد بيننا الكثير من الجدال حول الحاضر والمستقبل، ولكن لا يمكن تغيير الماضي". ولكن المشكلة هي أن نتنياهو جعل الحجة التاريخية – الملكية التي تبناها أداة يحفر فيها قبر تسوية الدولتين".

إذا كان فقط للشعب اليهودي حق تاريخي – ملكية على بلاد "إسرائي"ل، فلا مجال لطلب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى هنا – الوطن القومي الحصري لشعب آخر. وحسب سارة نتنياهو عليهم بشكل عام أن يقولوا شكرا لليهود الذين تفضلوا بطيبتهم لأن يخصصوا لهم عمل الخدمة.

وحسب أقوال نتنياهو نفسه، فإن للبيان (الاعتراف؟) من أبو مازن بأن "إسرائيل" هي الدولة القومية للشعب اليهودي سيكون معنى سياسي قانوني بعيد الأثر. في ذات النقاش في الكنيست شرح بان الاعتراف بمفهوم "الدولة القومية" معناه التنازل عن حق العودة.

وفي الخطاب أمام ايباك توجه نتنياهو إلى أبو مازن وقال: "اعترف بالدولة اليهودية. وهكذا تقول للفلسطينيين أن اهجروا الخيال عن إغراق إسرائيل باللاجئين أو قطع أجزاء من النقب والجليل".

يبدو أن الخيال يعود لنتنياهو أساسا؛ فقد سبق لأبو مازن أن صرح علنا بأنه يكتفي بزيارة بيت صباه في صفد كسائح، وليس كمقيم. وكل من له عقل يفهم بأنه لا يمكن الفتح بالقوة لبوابات دولة ذات سيادة وإغراقها باللاجئين. اسألوا وزير الداخلية جدعون ساعر وطالبي اللجوء الذين "طردوا طواعية" من أرض الميعاد.

لا هذا ولا ذاك، فإذا كان الإعلان عن الاعتراف بإسرائيل كالدولة القومية اليهودية يشكل تنازلا عن الحق للهجرة إلى إسرائيل، فإن على نتنياهو أن يمنع الهجرة /الصعود من الأصوليين غير الصهاينة إلى صهيون. وهو لا بد سمع مقاطعة النائب إسرائيل آيخلر (يهدوت هتوراة) في النقاش في الكنيست، "لا توجد قومية يهودية. لا توجد قومية كهذه".

إن طرح الماضي اليهودي كعنصر مركزي في تسوية سياسية هو مثابة تفكيك انتهازي لعناصر قومية ودينية، مثابة موسيقى خلفية لأفلام الرعب التي يتميز نتنياهو في إخراجها. ومثلما قالت له غلئون في النقاش على الطلب من الفلسطينيين أن يعرفوا هويتنا، "عندما لا تفزع من رفيف أجنحة التاريخ، ولا تعتقد أن عصافير هتشكوك تأتي إليك في كل مرة تسمع فيها هذا الرفيف، فإن كل شيء هنا سيكون مختلفا".

هآرتس

البث المباشر