سيعتلي صنّاع القرار في دول المنطقة أسطح مواقعهم لرصد طقس السياسة الخارجية لأنقرة بعد الفوز التاريخي لحزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات البلدية التي اعتبرت استفتاء على حكم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
ما رصده مراقبون أن السُحب القادمة من أنقرة نحو غزة تحمل أمطار الخير على ملف الحصار (الإسرائيلي) على قطاع غزة، وربما يفسر ذلك حالة الاهتمام البالغ من غزة بنتائج الانتخابات التركية.
الشعبية الكبيرة لأردوغان في غزة، دفعت الفلسطينيين للخروج في مسيرات حاشدة من أجل الاحتفال بفوزه، وعيونهم تتطلع في أن يشكّل ذلك بادرة أمل جديدة لهم بعد الوضع الصعب الذي عاشه القطاع بعد انقلاب 30 يونيو في مصر، بما يوفر "شبكة حماية لغزة وللحكومة فيها التي تديرها حركة حماس، وبما لا يضع الأخيرة في حالة استفراد سياسي.
رئيس الوزراء الفلسطيني وقائد حماس في غزة إسماعيل هنية سارع إلى تهنئة أردوغان بنجاح "العرس الديمقراطي" في تركيا وفوز حزبه، وبحث معه سبل رفع الحصار عن القطاع. قابله أردوغان بتعهد بمواصلة دعم غزة.
الكاتب والباحث التركي محمد زاهد غل أكد لـ"الرسالة نت" من الكويت -حيث يرافق الرئيس التركي في زيارته- أن الحصار سيزول نسبيا عن طريق تركيا في ظل الاتفاق التركي-(الإسرائيلي)، الذي كان قد أعلن عنه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو خلال مقابلة مع وكالة "فرانس برس".
وقال أوغلو إن تركيا و(إسرائيل) أحرزتا "تقدما كبيرا" على طريق التوصل الى اتفاق يدفع الكيان بموجبه تعويضا للقتلى الأتراك، مع العلم أن أردوغان كان قد ربط ذلك -دفع التعويضات- بتعهد خطي من (إسرائيل) برفع الحصار عن غزة، وهو ما يفسر موافقة الكيان حديثا على إدخال مواد بناء لمشروع مستشفى تركي في القطاع.
ويؤكد ذلك أيضا تصريح أرشاد هوزمل كبير مستشاري الرئيس التركي لـ"الرسالة نت"، حين أعلن أن رفع الحصار (الإسرائيلي) هو المطلب التركي الأساسي لتسوية الخلافات مع (إسرائيل)، وهو ما أكد عليه الباحث غل بأن "تحسن العلاقات منوط برفع الحصار، وأن (إسرائيل) بحاجة لهذه العلاقة الآن".
وأشار غل إلى أن (إسرائيل) باتت أحوج ما يكون لعودة علاقاتها مع تركيا بعد الفوز التاريخي لأردوغان، بحكم أن لها مصالح اقتصادية "سواء في التعامل التجاري أو من خلال مشاريع بيع الغاز إلى أوروبا، الذي لا سبيل لوصوله إلى أوروبا إلا من خلال تركيا.
صناديق الاقتراع هي الحكم
التغيرات التي طرأت على الخريطة الإقليمية للمنطقة بعد الربيع العربي، أهّلت تركيا أن تكون دولة محورية لها تأثيرها (بجانب المتغيّر المصري) على القضية الفلسطينية وقطاع غزة على وجه الخصوص، كون أنقرة أحد الداعمين لفك الحصار (الإسرائيلي).
وهنا قال رامي عبدو مدير المرصد "الأورو متوسطي" لحقوق الإنسان في قطاع غزة إنّ "العلاقة بين فلسطين وتركيا لم تكن يوما على قاعدة المصلحة كما هي الحال مع كثير من الدول، بل كانت انتصارا لقيم العدالة".
وأضاف عبدو: " تركيا دولة لها ثقلها، وعلاقاتها المميزة سياسيا واقتصاديا مع الدول العظمى، ستدفعها نحو أدوار أكثر فعاليّة لإنعاش اقتصاد غزة الذي يعيش أسوأ أرقامه هذه الأيام". وتوقع أن تطّور تركيا من مواقفها الداعمة لقطاع غزة، والعمل على تفكيك حلقات الحصار الخانق.
الموقف التركي الداعم لغزة كان قد برز خلال المناظرة بين أردوغان والرئيس (الإسرائيلي) شيمون بيريز في مؤتمر دافوس بعيد انتهاء العدوان على غزة نهاية يناير 2009 في الجلسة المخصصة لمناقشة تداعيات الحرب على القطاع، وقال أردوغان لبيريز أثناء انسحابه من الجلسة: "أشعر بالأسف أن يصفق الناس لما تقوله؛ لأن عددا كبيرا من الناس قد قتلوا".
وتعزز الموقف أيضا بعد الهجوم (الإسرائيلي) على سفينة "مافي مرمرة" التركية نهاية آيار/مايو 2010، وقتل (إسرائيل) تسعة أتراك على متنها، الأمر الذي أفضى إلى تدهور العلاقات بين تركيا والاحتلال، وإقدام الأخير على تقديم اعتذار رسمي، لكن تطبيع العلاقات مازال ينتظر، نتيجة مفاوضات تعويض عائلات ضحايا الهجوم.
متغيرات الوضع العربي والإقليمي أفقدت حماس التي تحكم غزة الكثير من الحلفاء في مقدمتهم إيران وسوريا، وتأثرت بالانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي، وخسارة حزب العدالة والتنمية في تركيا كان من الطبيعي أن يزيد عزلتها، لكن الفوز "دفع بتركيا أن تكون نافذة سياسية لغزة"، برأي الباحث غل.
ولا تقف انعكاسات فوز أردوغان على غزة بقول الباحث التركي عند فك الحصار، إنما ستكون له إيجابيات على التهدئة بين المقاومة الفلسطينية و(إسرائيل)، أما على صعيد المصالحة فقال "إنها شأن فلسطيني"، لكنه أكد أن أنقرة "مع المصالحة، وأنها تدفع الفلسطينيين لذلك".
وبجانب التشدد التركي في سرعة فك حصار غزة كانعكاس أبرز لفوز أردوغان، فإن الفوز يعني أيضا دفعة معنوية كبيرة للإخوان المسلمين ومناهضي الانقلاب العسكري في مصر، فضلا عن أنه سيكون بمنزلة ملهم للشعوب والدولة العربية والإسلامية، بألا بديل عن التداول السلمي للسلطة وأن صناديق الاقتراع هي الحكم، بعيدا عن عصا القمع.