قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: نذير ونفير قبل الاغتيال الأخير

بقلم : أ. يوسف علي فرحات      

لم يشهد مسجد من مساجد الأرض كلها بل لم يشهد أي معبد من معابد البشر جميعاً ما  شهده المسجد الأقصى من تنافس بين الأمم على حيازته والسيطرة على أرضه ، فكل أمة من الأمم تدعي أحقيتها في المسجد الأقصى ، ذلك لما للمكان محل التنازع من حساسية بالغة كانت عبر التاريخ مثار صراعات وحروب حتى إن التاريخ لم يعرف مدينة تواردت عليها الجيوش من مختلف شعوب الأرض , مثلما تواردت على بيت المقدس , وفى عصرنا هذا يتكرر التنازع على الموضع نفسه , فالمكان واحد والأرض المقدسة واحدة , والمسجد المبارك واحد , ولكن المتنازعين كثر فلليهودية العالمية أطماعها المستقلة وللنصارى البروتستانت تطلعهم المنفرد , وللنصارى الكاثوليك نظرتهم الخاصة , أما العرب والمسلمون فلا يعترفون لهؤلاء ولا لهؤلاء بحق السيادة على الأرض المقدسة أو المسجد المبارك , فالمسلمون يعتقدون أن المسجد الأقصى هو قبلتهم الأولى ومسرى نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهو آية من كتاب الله 0

 ومن ثم ستظل خصوصية المكان سبباً في أبدية الصراع وديمومة العداء لأن تلك الخصوصية المكانية استمدت عند أصحاب الديانات الثلاثة من مسلمات عقدية فأصبح المكان ميداناً كما كان لجريان سنة التدافع بين الناس .

إن اليهود يعتبرون القدس جزءاً من عقيدتهم ، فاليهود ما قدموا إلى المنطقة إلا للسيطرة على الأرض المقدسة التي أسموها ( أرض الميعاد ) , وما قدموا إلى تلك الأرض إلا السيطرة على القدس الذي اعتبروها ( عاصم المسيح المنتظر ) وما أرادوا السيطرة على القدس إلا من أجل استعادة ما أسموه ( جبل الهيكل ) وهو الأرض التي يقوم عليها الأن السجد الأقصى ومسجد الصخرة , وبعد السيطرة عليهما يريدون أن يهدموهما ويعيدوا مكانهما بناء هيكلهم الذي هدم منذ ألفى عام , ويشارك اليهود في هذا المسعى طوائف كبيرة من النصارى الذين يشتركون مع اليهود في قسم كبير من عقائدهم , وخاصة التيار الصهيوني المسيحي والذي يعتقد أتباعه أنه لابد أن يسبق ظهور المسيح هدم الأقصى وبناء الهيكل ، لذا لا غرو أن يقوم هؤلاء بضخ الأموال على الصهاينة ولاسيما التيارات الدينية 0

واليهود اليوم يلوحون بل يحضرون لبناء هيكلهم ووضع حجر الأساس له وذلك حسب نبوءة بعض حاخاماتهم 0 كل هذا يحدث في غفلة من الأمة وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد ، وما كان اليهود لينجحوا في ترويض الأمة في السكوت عن هذا الواقع المرير إلا بعد غياب الإسلام عن حياة الناس ولاسيما الحكم 0

 إن قضية القدس في جانب كبير منها هي قضية دين وعقيدة لتعلقها بحفظ جناب التوحيد فوق أرض مباركة , ومكان قدَّسه الله واختاره , وجعله مهبط أكثر رسالاته ومهجر وموطن أكثر أنبيائه , ومهوى أفئدة أوليائه ، ومحور أحداث  آخر الزمان 0 وبالنظر إلى قداسة ذلكم المكان فإن مسؤولية الموحدين كبيرة تجاه تخليصه من سيطرة اليهود الذين لا يكتفون بتدنيسه بل يهدفون إلى هدمه لإقامة معبد كفري بديل تقام فيه علانية شعائر وشرائع اليهود المحرفة المنسوخة , فالسماح بإحلال كفر اليهود محل التوحيد في المسجد المبارك هو التفريط بعينه والجناية بذاته على حمى التوحيد في المسجد الذي بناه بيده إمام الموحدين أبو الأنبياء والمرسلين إبراهيم عليه السلام ويدخل في الخصوصية الدينية لهذه القضية أنها ترتبط بها تكاليف شرعية وواجبات دينية تلزم أعناق المسلمين فرادى وجماعات ومجتمعات لنصرة من استنصروهم فى الدين فأوجبوا عليهم تلك النصرة عينياً وكفائياً جهاداً بالنفس والمال . هذا مع ما يلزم المسلمين جميعاً من النفير خفافاً وثقالا إذا دهم العدو أي أرض للمسلمين فما الحال إذا كانت تلك الأرض المدهومة منذ اثنين وستين عاماً هي الأرض المقدسة ؟ ! ومن من ؟ .. من اليهود أعداء الله وملائكته ورسله وسائر المؤمنين .

إن قضية القدس تتفاعل منذ قرن كامل أويزيد , وهى مرشحة لتفاعل أشد سوف يمتد إلى أخر الزمان علي ما يظهر من استقرار النصوص الدينية لدى أصحاب الديانات الثلاثة فالأرض المقدسة في تلك النصوص ستكون محور أحداث آخر الزمان وميدان معاركه وساحة صراعاته , فكل أصحاب الملل الكبرى وبعض أصحاب النحل الصغرى يؤمنون بقدوم قادم في أخر الزمان يختلفون في شخصه ولكنهم يتفقون علي مكان ظهوره وهو بيت المقدس ويتفقون جميعاً على أن زمان خروجه هو في بداية ظهور أشراط الساعة الكبرى وبعد انتهاء أشراطها الصغرى , على اختلاف بينهم في تعيين هذه الشروط .

ومن العجيب أن هناك قناعات متزايدة لدى المتدينين اليهود والنصارى تشعرهم بأننا نعيش بالفعل بدايات هذا الزمان الأخير وهذا ما يعطى لتفاعلات القضية في مراحلها القادمة طبيعة مميزة ورائحة خاصة , تغلب عليها لدى أهل الكتاب ظواهر الترقب المشوب بالوجل وصراعات التخوف المستسلم لدعايات الخرافة والدجل وهذا وذال من شأنه أن يسهم في حرصهم على تسريع معدل سير الزمان إلى آخره استشرافاً لأزمنة الخلاص .

أما من الوجهة الإسلامية فمن دون تحديد لزمن بعينه فإن المسلمين يؤمنون بأن الأرض المقدسة ستكون في موضع صدارة أحداث الزمن الأخير , فمجمل النصوص الشرعية تدل على ذلك وتنبئ بأن بيت المقدس سيشهد نزول أخر خلافة على منهاج النبوة , وسيشهد تجمع الطائفة المنصورة في الأمة المقاتلة على الحق وسيشهد عودة عيسى عليه السلام , وقيام مملكته الحاكمة بالإسلام , وسيشهد القتال الأخير مع اليهود والملاحم الكبرى مع النصارى , وسيشهد بيت المقدس أيضاً التجمع الأخير للبشر في أرض المحشر حيث سيتفرق الناس بعده إلى منازل وأحداث القيامة الكبرى .

بعد كل هذه المكانة للقدس والمسجد الأقصى ، ألا يوجب ذلك على المسلمين أن يتحركوا لإنقاذ المسجد الأسير ويخلصوه من أدناس اليهود ، فالمسجد الأقصى يتعرض هذه الأيام لخطر حقيقي فنواقيس الخطر تدق ، فالمطلوب من المسلمين وقفة جادة ، فالمسجد الأقصى يتعرض كل يوم لعلمية اغتيال تمهد للاغتيال الأخير 0

فيا أيها المسلمون في كل العالم هذا نذير قبل الاغتيال الأخير ، فانفروا خفافاً وثقالاً لنصرة المسجد الأسير قبل وقوع الكارثة وحينها لا ينفع الندم

 

البث المباشر