في مشهد غير مألوف وعلى غير المتوقع، علت ابتسامة عريضة طال انتظارها على مُحيّا رئيس وفد المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد، بعد قدومه إلى قطاع غزة مع وفد منظمة التحرير الفلسطينية لبحث ملفات المصالحة مع حركة حماس والفصائل.
واستقبل رئيس الوزراء الفلسطيني بغزة إسماعيل هنية الوفد الزائر، وبدت علامات السعادة والوئام على وجوه الحضور وقادة الفصائل.
وألقى هنية كلمة مباشرة أمام وسائل الإعلام بمناسبة الزيارة قال فيها "إننا نعيش الساعات الأخيرة من الانقسام الفلسطيني"، وأكد الأحمد على حديث هنية مضيفا "لحظة الصفر حانت لإنهاء الانقسام".
ورأى مراقبون في أحاديث منفصلة لـ"الرسالة نت" أن الحراك الأخير بشأن المصالحة يدعو إلى "التفاؤل الحذر" مع عدم فقدان الأمل، حتى لا يُصدم الشارع الفلسطيني في حال ظل الانقسام قائما، متمنين أن تكون غزة آخر محطة للقاءات المصالحة.
وأظهرت كل من حركتي فتح وحماس الرغبة القوية في إنهاء الانقسام وطي صفحته إلى الأبد.
الكاتب والمحلل السياسي نعيم بارود تمنى أن تكون غزة هي المحطة "الأخيرة" للقاء بين وفود المصالحة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، والشروع فورا في تنفيذ ما اتفق عليه رزمة واحدة.
ويقول بارود: "خلال السنوات الماضية جرى لقاءات عديدة في أكثر من دولة عربية، وقدم الطرفان تنازلات، إلا أنه لم يتم تنفيذ شيء مما اتفق عليه حتى اللحظة".
ويتفق مع بارود المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، الذي دعا إلى عدم الإفراط في التفاؤل والحذر مما يجري على أرض الواقع.
وجاء وفد فتح إلى غزة بعد فشل السلطة في تحقيق نتائج ملموسة من المفاوضات، ولكن يبقى السؤال وفق بارود، هل إن مدت "إسرائيل" يدها مجددا للمفاوضات تعود إليها السلطة وتترك حماس والمصالحة؟
ويرى المحلل السياسي بارود أن المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي للسلطة، والمقاومة خيار حماس الاستراتيجي، "فهما يسيران في مسارين مختلفين، لا يمكن أن يلتقيا إلى بالتوافق على استراتيجية وطنية عليا بإجماع الكل الفلسطيني".
وتساءل مجددًا هل توجه السلطة للمصالحة بالون اختبار للضغط على "إسرائيل" من أجل العودة إلى المفاوضات من جديد؟.
حكومة كفاءات
واتفقت الحركتان ليل الأربعاء على تشكيل حكومة كفاءات خلال 5 أسابيع، وذلك خلال اجتماع عقد بين حماس والوفد الزائر.
وأكد مصدر مشارك في اللقاء "حصول الاتفاق" وأضاف أنه "تم أيضا إحراز تقدم في ملف الانتخابات ومنظمة التحرير وسيتم استكمال اللقاءات اليوم الأربعاء".
فيما كشف مصدر مطلّع من منظمة التحرير الفلسطينية لـ"الرسالة نت"، عن الخطوات التي سيتم الاتفاق عليها بين وفدي حماس وفتح في ملف تشكيل الحكومة .
وتوقع المصدر أن يشهد الأسبوع الحالي إنجازًا مهمًا في ملف المصالحة، وسيعلن بدء خطوات تشكيل الحكومة، فيما سيُترك كل طرف من أجل تجهيز قوائم الأسماء المقترحة للشخصيات المستقلة المرشحة من طرفه لتولي ملف الوزارات.
"المنظمة" أولًا
المحلل السياسي عوض، عاد ليؤكد أن هناك الكثير مما يجب العمل من أجله لتحقيق المصالحة، مطالبا بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أولًا وإعادة ترتيبها من جديد بضم كل الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركتي حماس وفتح، بالإضافة إلى وضع استراتيجية عامة للسير عليها.
ويضيف لـ"الرسالة نت" "المصالحة في منظمة التحرير تكون بوضع المبادئ والصيغ العامة والاستراتيجية الكبرى، وهي أهم من الاتفاق على حكومة التوافق الوطني أو الانتخابات التشريعية والرئاسية".
وتأتي ضرورة إصلاح منظمة التحرير خشية أن تنفجر المصالحة الفلسطينية عندما تدخل في التفاصيل، وفق عوض.
ويشير المحلل السياسي إلى أن المصالحة لم تتم في السابق بسبب الضغوط الخارجية والمصالح الذاتية الحزبية، أما الآن فهي قيد الاختبار مشددا على ضرورة الإصلاح في المنظمة أولا.
واعترف الأحمد خلال كملته أمام وسائل الإعلام أمس، أن الإدارة الأمريكية أفشلت سابقًا اتمام المصالحة، وضغطت على عباس لعدم التوقيع على ملف المصالحة باللجوء إلى تهديده بقطع المساعدات عنه.
وعند سؤاله عن إمكانية إعطاء الأمل للشارع الفلسطيني بإنهاء الانقسام، رد عوض، كل الشرفاء يتمنون أن تتم المصالحة، ولكن الأمر ليس بالبسيط ويحتاج لعمل كبير.
طريق المصالحة
سفينة المصالحة بدأت رحلتها من السعودية التي كانت في مكة، عندما بادر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى دعوة حركتي فتح وحماس للتحاور، ووقعت الحركتان على ما بات يعرف بـ"اتفاق مكة" في فبراير/شباط 2007.
وأكد "اتفاق مكة" على تحريم الدم الفلسطيني، وضرورة إتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات، التي تحول دون إراقته، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني.
ويقضي الاتفاق، الذي أعلنه نبيل عمرو المستشار الإعلامي لعباس، على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتشكيلها.
أما المحطة الثانية التي حطت سفينة المصالحة رحالها فيها كانت في 4/5/2011 م بالقاهرة ، حيث وقعت الفصائل الفلسطينية على الورقة المصرية (وثيقة الوفاق الوطني للمصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني) بحضور رئيس السلطة محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.
فيما كانت المحطة الثالثة في قطر، عندما التقى عباس ومشعل في فبراير من عام 2012، واتفقا على الاستمرار بخطوات تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ومما جاء في الاتفاق، التوقيع على تشكيل حكومة التوافق الوطني من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة محمود عباس تكون مهمتها تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء بإعمار غزة، والتأكيد على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة لبدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
القاهرة مجددا
والتقى الطرفان في القاهرة مجددا في مايو من عام 2012 بقيادة عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ورئيس وفد فتح للمصالحة عزام الأحمد، واتفقوا على تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في الدوحة والقاهرة سابقا.
ونص اتفاق القاهرة على ضرورة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها، بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية وفقًا لاتفاق القاهرة مارس2005.
كما نص على تحديد موعد إجراء الانتخابات بالتوافق بين الفصائل والقوى الفلسطينية كافة في ضوء إنجاز عمل لجنة الانتخابات المركزية، حتى تتمكن من انجاز أعمالها وبما يهيئ لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني بالتزامن.
وحُددت مدة عمل الحكومة التي سيتم تشكيلها بفترة لا تزيد عن 6 أشهر لتنفيذ المهام المتفق عليها بما في ذلك (إجراء الانتخابات ـ البدء في إعادة إعمار غزة) مع ربط مدة هذه الحكومة بالموعد الذي سيتم التوافق عليه لإجراء الانتخابات.
واستمرت الخلافات السياسية بين الحركتين بسبب بعض الخروقات التي انتهجتها السلطة أخلت باتفاقات المصالحة وذلك باستمرار الاعتقالات السياسية والتنسيق الأمني مع الاحتلال، ما جعل ملف المصالحة مجمدًا منذ أكثر من عام ونصف العام.
وتعد غزة المحطة الرابعة التي يلتقي فيها وفدا المصالحة من حركتي فتح وحماس، بعد آخر لقاء جمع بينها في القاهرة، فهل تكون "المحطة الأخيرة" التي ترسو فيها سفينة المصالحة ويعلن منها إنهاء الانقسام بلا رجعة؟