في الرواق المؤدي إلى مكتب مدير مركز الإصلاح والتأهيل بدير البلح يسمع بين حين وآخر صوت مزلاج يفارق قفلا حديديا ثقيلا ثم ما يلبث أن يعانقه من جديد .
تثور بين ساعة وأخرى أصداء أصوات النزلاء في الممرات والساحات المسقوفة وهم يهربون من حجراتهم ساعة الاستراحة أو الزيارة ثم يعودون لمقرهم الدائم.
تسير الحياة بنسق متصل في "السجن" بمحافظة الوسطى , حجرات العمل الإداري هادئة كالعادة بينما ممرات وحجرات السجن تعيش عالماً مختلفا لأصحاب وأبطال عشرات القصص والجنايات.
ويعد مركز الإصلاح والتأهيل في محافظة الوسطى من أفضل مراكز الإصلاح في قطاع غزة على الإطلاق حسب شهادات مؤسسات إنسانية وحقوقية وقد أضيفت له كثير من المرافق الهامة لإصلاح النزلاء وإعادة دمجهم في المجتمع.
مرافق وخدمات
يغادر المقدم إياد سلمان مدير سجن "الوسطى" غرفة الاجتماعات التي انفرط عقد حضورها للتو, يسارعه أحدهم بطلب التوقيع على أوراق فيمرر قلمه بخبرة فوقها ثم تدور التفاتة منه معلنة طلبه للهدوء .
يدير سجن الوسطى أسير محرر أمضى أكثر من 11 سنة في سجون الاحتلال , أدخل على السجن كثيرا من التحسينات وقد انعكست شخصيته وتجربته في الأسر على إدارة العمل .
قديما كان يتسع لـ 150 نزيلا واليوم بعد التطوير أصبح يتسع إلى 350 نزيلا, يتحدث سلمان عن حياة النزلاء فيقول: "هو يليق بالوضع الإنساني والأخلاقي وفي كل غرفة 20 نزيلا ومتسع للحياة والأكل ويستطيع ممارسة رياضة بسيطة ".
يتمتع كل نزيل بفراش وسرير خاص, في السجن محطة تحلية ومكتبة ومغسلة كبيرة هي الأولى من نوعها في السجون.
التحسينات أدخلت منذ عام وتضم أيضاً ملاعب مغلقة ودورات محو أمية ودورات شرعية والآن يعكفون على تطبيق نظام الخلوة الشرعية .
انعكست شخصية مدير السجن كمحرر أمضى 11 سنة لدى الاحتلال على العمل بالإيجاب حيث يضيف: "النظام والنظافة أوجدناها لدى الاحتلال لأننا كنا سجناء أمنيين أثبتنا أننا أصحاب مقاومة وتلك خبرة سجون في الصبر والنظام".
النزلاء
خرجت مع مدير السجن وبعض الضباط في جولة ميدانية لمرافق السجن, وعند باب حجرة المغسلة وكي الملابس وقف نزيل محكوم 5 سنوات سألته عن حياته فأجاب: الأمن كويس والمدير كويس.. حياة صعبة وسلبية لكن لازم أتعلم من غلطي ومتوفر كل شيء أكل وشرب وكهرباء..".
صعدت إلى الطابق العلوي المشيد حديثًا لمقابلة نزلاء آخرين, هناك دلوني على سجين أردني الجنسية اسمه نمر موسى له قصة خاصة, وقع في السجن بسذاجته في تناول الحبوب المخدرة ومنذ ثمانية شهور قضيته عالقة وهو يطالب بمحاكمة.
قدم لغزة عبر الأنفاق وعمل في ورشة نجارة ودله أحدهم على الحبوب فأخذ يتعاطاها وعندما تشاجر في أحد الأيام مع زميله بالعمل هرب هائماً على وجهه نحو الحدود فضبطه رجال الأمن وشاهدوا معه الحبوب المخدرة فسجن من يومها .
في الطابق الثاني ينادي أحد السجانين-ضخم الجثة-عليه: السجين الأردني. فيخرج ويشرع في سرد مناشدة : "بدي جلسة محاكمة لأني غلطان.. احكموني.. أخذت حبوب مخدرة أمام الأمن .. وبعدين أحضرت كمان 30 حبة من البيت.. قالولي هذا ترامال قلت أه شو يعني ..طيب احكموني !!" .
يضع السجان معادلة خاصة للتعامل مع النزلاء حين يقول: "أعاملهم معاملة أخوية من يحترم نفسه أحترمه والذي لا يحترم نفسه له حساب آخر!".
وفي الرواق الغربي يتحرك نزيل في الثلاثينات من عمره بثقة, عهده قديم فحكمه 15 سنة على جريمة قتل أمضى منها عشر سنين أمضى منها خمس سنوات.
عن ذلك يضيف: "باطلع إجازات وإدارة السجن كويسة ومحترمة وفي زيارات مرتين ومن له حسن سير وسلوك يأخذ امتيازات أكثر وبيروح على بيته إجازات دائماً" .
توجهت بعد ذلك لحجرة النزلاء المرضى بالتهاب الكبد هناك اندلعت جلبة وهم ينادون على مدير السجن قبل فتح الباب فتشابكت طلباتهم ولم ينج منها أحد بوضوح.
بعد دخول المدير والضباط للحجرة عرض النزلاء مشغولاتهم اليدوية على المدير مطالبين بمزيد من المواد مثل المواد والأشرطة اللاصقة لانجاز مجسمات تراثية وفنية اعتادوا قضاء ساعات في صناعتها.
طالب النزلاء المتزوجون بإجازة أسرية جديدة يمضون فيها وقتاً مع زوجاتهم وأبنائهم واضعين كثيرا من الضمانات والكفلاء حيث أوصى المدير منح بعضهم إجازة.
ورغم أن مركز الإصلاح والتأهيل "السجن" بالوسطى يعد الأفضل على مستوى محافظات قطاع غزة إلا أن الإمكانات المادية تحول دون حصول بعض النزلاء على العلاج اللازم لهم حسب إفادة أحد الحقوقيين الذي رفض الكشف عن اسمه والذي زار المركز مؤخراً وقابل الكثير من النزلاء .
وتعكف إدارة السجن حالياً على تجهيز مكان للخلوة الشرعية تجمع بين النزيل وزوجته.