(إسرائيل) بعد أسبوع من العدوان على قطاع غزة أمام خيارين، إما النزول عند شروط حركة حماس لتهدئة سريعة، أو الذهاب إلى حرب برية. الخيار الثاني خطوة بدأت القيادة الإسرائيلية تلوّح بها بعد فشلها الصريح في تحقيق أهدافها عبر القصف الجوي، وتقول إنها صادقت عليها واستدعت 40 ألف جندي من قوات الاحتياط، دون أن تعلن ساعة التنفيذ.
حتى وقت سماع هدير الآليات العسكرية على حدود غزة، يجري البحث في شكل الحرب البرية حال وصلت الأمور إلى ساعة الصفر، ومبررات تلويح القيادة الإسرائيلية بالحرب دون الإقدام عليها، ومدى إمكانية تحقيق جيش الاحتلال نجاحات في هذه المغامرة، التي تشير التطورات الميدانية إلى إمكانية أن تهرّول إليها (إسرائيل) بعد رجحان كفة القتال لصالح المقاومة الفلسطينية، كما يعتقد مراقبون.
الجميع يتفق على أن (إسرائيل) تدرك جيدا كلفة دخول غزة بريا، وإلى حين إعطاء شارة البدء، كانت المقاومة قد بعثت لها برسالة ملطخة بدماء جنودها، عندما استهدفت آلية إسرائيلية شرق مدينة غزة، بصاروخ (كورنيت) المضاد للدبابات، قتل على إثره جنديان، وأعلنت حماس بعدها أن الحادث "عنوان الحرب البرية".
الاعتقاد يسود بأن القيادتين العسكرية والسياسية في (إسرائيل) غير متفقان بعد على قرار الحرب، بدليل التناقض بين تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان أصدر أوامره بتوسيع العملية العسكرية، وتصريحات وزير الحرب موشيه يعلون الذي أمر بتنفيذ عملية عسكرية برية وبحرية وجوية في قطاع غزة.
ثلاثة مبررات وضعها الخبير العسكري اللواء واصف عريقات لتأني القيادة الإسرائيلية في إعطاء شارة البدء بحرب برية، أهمها إدراك القيادة حجم الخسائر التي سيعود بها الجيش حتى تضع الحرب أوزارها، والخشية ثانيا مما تخفيه المقاومة في جعبتها من مفاجآت جعلته يتوقع أنه ذاهب إلى كمائن موت واختطاف، وإعلانها أن الاجتياح البري فرصة ثمينة ومطلب تنتظره، وثالثا طبيعة غزة الجغرافية إلى جانب الكثافة السكانية فيها، وجميعهم اتفقوا على أن الجيش الإسرائيلي لن يحقق نجاحات تذكر في حربه، وسيضطر إلى العودة للخيار الأول، تهدئة على مقاس المقاومة.
عريقات أعطى أهمية كبيرة للاحتمال الثالث المتعلق بجغرافيا غزة وكثافتها السكانية. واعتبر أنه العامل الرئيسي في التردد الكبير للقيادة الإسرائيلية بشأن الحرب البرية، وقال: "القيادة الآن تدرس كيفية مواجهة هذه الكثافة السكانية"، خصوصا إذا ما علمنا أن المقاومة في غزة تجيد باقتدار "قتال الشوارع"، إلى جانب الاختفاء والتمويه وسرعة توجيه الضربات إلى الخصم.
وتوقع اللواء عريقات في حديثه لـ"الرسالة نت" أن تتجه القيادة الإسرائيلية إلى رسم سيناريوهات اجتياح بري يستهدف مناطق ذات كثافة سكانية قليلة في سبيل تقنين الخسائر المتوقعة، وقال: "ربما تقدم إسرائيل على تقسيم غزة إلى أجزاء (..) عينها على الشمال والجنوب، لأن الوسط ذو كثافة عالية، ولا ترغب قيادة جيش الاحتلال في وجود جنودها في هذه الكثافة"، وهو نفس السيناريو (التقسيم الميداني) الذي عمل جيش الاحتلال على تنفيذه في حرب 2008، حين فصل بين الجنوب ومدينة غزة بعد عبور قواته محور البوليس الحربي (نتساريم) وسط القطاع.
وبخلاف المبررات الثلاثة، نبّه الخبير العسكري إلى وجود خلاف بين القيادتين العسكرية والسياسية في (إسرائيل) بشأن قرار التنفيذ، وأشار إلى أن هناك أصواتا داخل قيادة الاحتلال تحرض نتنياهو على البدء بالاجتياح البري بهدف التخلص منه، دون أن يمسّها الضرر، إضافة إلى تقاذف المسؤولية بين القيادتين، متمثلا باتهام السياسيين الجيش بعدم مقدرته على الحرب، وادعاء الجيش في المقابل، أنه ينتظر أوامر البدء من القيادة السياسية.
آية ذلك، تصريح رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس أن "الجيش بانتظار قرار المستوى السياسي الإسرائيلي لبدء العملية البرية ضد قطاع غزة".
يتضح إذن أن القيادة العسكرية تخشى الحرب البرية، لكنها لا تريد أن تتحمل نتائج ذلك، في المقابل فإن القيادة السياسية على رأسها نتنياهو تراهن على وقف إطلاق النار وحفظ ماء وجهها.
الخبير عريقات أوجز ما يدور بين القيادتين بقوله: "هناك تهديد بحرب برية، وهناك أيضا خلافات عليها". يتفق معه، الخبير العسكري المصري صفوت الزيات، الذي رأى أن "الطرف الإسرائيلي ليس لديه استراتيجية متماسكة"، مؤكدا أن دخوله في حرب برية سيكون له انعكاسات سلبية كثيرة عليه، وسيكلفه ما لا يقل عن 4.4 مليارات دولار، أي ما يعادل 15 مليار شيكل إسرائيلي.
واعتبر الزيات أن تلويح القيادة الإسرائيلية بالحرب البرية مجرد ورقة ضغط على المقاومة، في سبيل إخضاعها للقبول بتهدئة من أجل وقف إطلاق النار، مشيرا في الوقت نفسه إلى التحسن الكبير في نوعية الأنشطة العسكرية للمقاومة. وهذا كله يوضح، من وجهة نظره، "أننا في نمط حروب جديدة، وليست تقليدية". الساعات المقبلة ستكون حاسمة، وكفيلة باستيضاح الموقف الإسرائيلي النهائي.