قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: غزة.. لنا الفتوش ولك الـ "اف 16"

د. حسين العموش
د. حسين العموش

د. حسين العموش

لك الله يا غزة .. ولك البحر .. ورماله .. لك الزيتون الذي حملته يوما الى عمان ، لك المناضلين الاوفياء للجهاد ، لك محمود وياسر ومحمد وعبدالرحمن .

لك الله يا غزة ، ولنا الدموع ما فادت ولا نفعت ، لنا العويل والبكاء والحزن ، لنا افطار شهي تعده المدام بإتقان ، لنا الفتوش ، ولكم قصف لا يرحم ، لنا القطايف بالجبنة والجوز ولكم التحية عبر شاشاتنا العربية ، لنا مسلسل «لو» وبطله عابد فهد ، ولنا ايضا «رمضان معنا أحلى» ولكم وجبات من النابال المحرم دوليا.

من بيت حانون شمالا الى رفح جنوبا ، مرورا بخانيونس وجباليا ، من مخيم دير البلح الى مخيم الشاطئ ، هنا غزة .. هنا النصر بإذن الله والعزة .. هنا وقفنا ، وعلى هذا التراب جلسنا فقد قدر الله لي ان ازورها مرتين .. حين دخلتها من بوابة رفح .. هنالك يافطة مكتوب عليها :"أهلا بكم في فلسطين "..

خلال الزيارتين تجولنا في غزة من شمالها الى جنوبها واطلعنا على مشاريع زراعية وأخرى انتاجية ، غير ان ما اثار الانتباه هو الاصرار الغزاوي على الحياة وعلى تذليل الصعاب في مواجهتها .

تركيبة الانسان الفلسطيني الغزاوي غريبة عجيبة فلديه اصرار كبير على تطويع الطبيعة لصالح عيشه ، ولديه ايمان بأن طريق النجاح وان بدت طويلة الا انها قصيرة وممكنة ومحققة .

في غزة شبان يؤمنون ان فلسطين لن تضيع ، كنت أعتقد ان ايمانهم هذا امتداد لتعلق بعضهم بتنظيم حماس ، غير ان هذا الاعتقاد سرعان ما تبدد عندما قابلنا شبانا لا ينتمون سياسيا الى حماس ولا حتى الى اي من الفصائل والمنظمات الفلسطينية .

اهل غزة الطيبين الذين يقابلونك بابتسامة وترحاب لا يمكن ان يقهروا ، ولا يمكن لآلة البطش الصهيونية مهما بلغت ان تأكل من عزيمتهم واحد سنتميتر ، فالذين دخلنا في حوار معهم يؤمنون ان امر الله في تحرير فلسطين – كل فلسطين – نافذ لا محالة ، وأن الامر ذو علاقة بمرحلة تاريخية ستأتي بلا ريب .

وهم يؤمنون ايضا بأنهم وحدهم ، وأن العرب والمسلمين ينظرون لما يحدث وللأسف من باب الفرجة الرمضانية .

لو قفز بنا التاريخ خمسين سنة ، فكيف سينظر الطفل الغزاوي الى دولة الكيان الصهيوني ، وهو يختزل في ذاكرته القنابل التي انهالت على والده او عمه او خاله .

كيف لهذا الطفل ان يصفح عن الكيان الصهيوني ، وقد رضع حليب امه على وقع «الطراد الصهيوني» ، وعلى صوت الاف ستة عشر .

معادلة صعبة ، وسلام يقابله اف ستة عشر صعب ايضا ، وشعب مقهور تقطع عنه الكهرباء في الليل للتوفير في الوقود ، والعرب في سبات عميق ، يتابعون مسلسلات رمضان بشغف ، يمرون على مسلسل غزة بكثير من العاطفة ، ربما يبكون اطفالها التي بعثرتهم طائرات الصهاينة، لكن بكاءهم يبدو مخنوقا لا يتعدى صالة طعام السحور .

البث المباشر