لك الله يا غزة .. ولك البحر .. ورماله .. لك الزيتون الذي حملته يوما الى عمان ، لك المناضلين الاوفياء للجهاد ، لك محمود وياسر ومحمد وعبدالرحمن .
لك الله يا غزة ، ولنا الدموع ما فادت ولا نفعت ، لنا العويل والبكاء والحزن ، لنا افطار شهي تعده المدام بإتقان ، لنا الفتوش ، ولكم قصف لا يرحم ، لنا القطايف بالجبنة والجوز ولكم التحية عبر شاشاتنا العربية ، لنا مسلسل «لو» وبطله عابد فهد ، ولنا ايضا «رمضان معنا أحلى» ولكم وجبات من النابال المحرم دوليا.
من بيت حانون شمالا الى رفح جنوبا ، مرورا بخانيونس وجباليا ، من مخيم دير البلح الى مخيم الشاطئ ، هنا غزة .. هنا النصر بإذن الله والعزة .. هنا وقفنا ، وعلى هذا التراب جلسنا فقد قدر الله لي ان ازورها مرتين .. حين دخلتها من بوابة رفح .. هنالك يافطة مكتوب عليها :"أهلا بكم في فلسطين "..
خلال الزيارتين تجولنا في غزة من شمالها الى جنوبها واطلعنا على مشاريع زراعية وأخرى انتاجية ، غير ان ما اثار الانتباه هو الاصرار الغزاوي على الحياة وعلى تذليل الصعاب في مواجهتها .
تركيبة الانسان الفلسطيني الغزاوي غريبة عجيبة فلديه اصرار كبير على تطويع الطبيعة لصالح عيشه ، ولديه ايمان بأن طريق النجاح وان بدت طويلة الا انها قصيرة وممكنة ومحققة .
في غزة شبان يؤمنون ان فلسطين لن تضيع ، كنت أعتقد ان ايمانهم هذا امتداد لتعلق بعضهم بتنظيم حماس ، غير ان هذا الاعتقاد سرعان ما تبدد عندما قابلنا شبانا لا ينتمون سياسيا الى حماس ولا حتى الى اي من الفصائل والمنظمات الفلسطينية .
اهل غزة الطيبين الذين يقابلونك بابتسامة وترحاب لا يمكن ان يقهروا ، ولا يمكن لآلة البطش الصهيونية مهما بلغت ان تأكل من عزيمتهم واحد سنتميتر ، فالذين دخلنا في حوار معهم يؤمنون ان امر الله في تحرير فلسطين – كل فلسطين – نافذ لا محالة ، وأن الامر ذو علاقة بمرحلة تاريخية ستأتي بلا ريب .
وهم يؤمنون ايضا بأنهم وحدهم ، وأن العرب والمسلمين ينظرون لما يحدث وللأسف من باب الفرجة الرمضانية .
لو قفز بنا التاريخ خمسين سنة ، فكيف سينظر الطفل الغزاوي الى دولة الكيان الصهيوني ، وهو يختزل في ذاكرته القنابل التي انهالت على والده او عمه او خاله .
كيف لهذا الطفل ان يصفح عن الكيان الصهيوني ، وقد رضع حليب امه على وقع «الطراد الصهيوني» ، وعلى صوت الاف ستة عشر .
معادلة صعبة ، وسلام يقابله اف ستة عشر صعب ايضا ، وشعب مقهور تقطع عنه الكهرباء في الليل للتوفير في الوقود ، والعرب في سبات عميق ، يتابعون مسلسلات رمضان بشغف ، يمرون على مسلسل غزة بكثير من العاطفة ، ربما يبكون اطفالها التي بعثرتهم طائرات الصهاينة، لكن بكاءهم يبدو مخنوقا لا يتعدى صالة طعام السحور .