"دمار الشعف" .. ما خفي أعظم

الرسالة نت - فادي الحسني

تخبئ الطريق الرئيس في حي الشعف شرق مدينة غزة، عن العيون حجم الدمار والركام الذي يجثم على الشوارع والأزقة الخلفية، فالزائر إلى المنطقة يجد ما لا يستطيع احتماله، فالدمى الممزقة تحت الانقاض وباق الكراريس تحكي حكاية الحرب الشرسة التي لم تبق شيئا الا ودمرته.

 يجوب أهالي الحي الشوارع بحثا عن بقايا ذكرياتهم، فالكل هنا حزين يفتش بين الركام عن حقيبة مدرسية وأخر عن كتب وتلك عجوز دخلت بيتها فوجدته أقرب إلى بيت اشباح بفعل الحريق الذي اذاب كل شيء وأعدم البيت الحياة.

هناك على زاوية مطلة على بيتها الذي رصت طبقاته كقطع بسكويت هشة، جلست أم عبد الله تولول وتضرب كفا بكف، قائلة "رحنا وراحت علينا.. يا ويلي ايش اذنبنا  حتى يدمروا بيتنا هيك".

وتصيح أم عبد الله في الأربعينات من عمرها، باكية "اصبحنا الآن بلا مأوى، لقد تفاءلنا بالتهدئة وجئنا عائدين لمنزلنا لكننا فوجئنا بانه تحول إلى حطام".

واستغل النازحون عن الحي، التهدئة التي كانت مقرر لمدة 72 ساعة، تبدأ من صباح اليوم الجمعة، وخرجوا قوافل يحملون على رؤوسهم بضعة فرشات، عائدون إلى منازلهم، غير أن العشرات منهم اصطدموا بفقدان المأوى بفعل القصف المتواصل على الحي لليوم الخامس والعشرين على التوالي.

النازحون الذين اسعفهم القدر على حفظ ما تبقى من مقتنيات منازلهم، خرجوا إلى مواساة جيرانهم ممن فقدوا منازلهم. وقد اقام أبو محمد البطش مجلسا قبالة منزله، وتوافد إليه العشرات من الجيران ليطبعوا قبلة المواساة على خده بعد أن دمرت الصواريخ مسكنه المكون من ثلاثة أدوار ويقيم فيه ثلاثة أسر.

زائرو الحي وجدوا صعوبة في التعرف عليه، حيث تبدلت ملامحه السابقة، وتغير معالم طرقاته بشكل كبير، خصوصا على ضوء الدمار الذي حل في الكان واسقط اعمدة الكهرباء وصهر ابواب المنازل واطاح بالأثاث من أعلى مليقا بها في الطرقات.

على طرف الحي من الناحية الشرقية المتاخم للحدود، حيث تقيم الآليات العسكرية، خرج المواطنين ممن لم تسقط بيوتهم أمام القذائف والصواريخ، مسرعين تحت النار، ولما بلغتهم "الرسالة نت"، أجبروها على ضرورة مغادرة المكان بفعل استهداف الآليات للسكان بالرصاص الحي.

في تلك الاثناء كانت تتوجه سيارات الاسعاف إلى المكان، حتى تتفقد اذا كان هناك مصابين، فيما لم يسجل أثناء زيارتنا للمنطقة سقوط شهداء، في الوقت الذي كانت تخرج فيه اسرائيل التهدئة بشكل صارخ في محافظة رفح جنوب قطاع غزة.

وحمل أبو أحمد عليوة، دمى أطفاله وبقايا سيارات بلاستيكية كان قد جمعها من تحت الانقاض واتجه بها على دراجة هوائية نحو المأوى الذي يقيم فيه (مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا) غرب مدينة غزة.

يؤكد المواطن عليوة في العقد الثالث من عمره إنه انتظر التهدئة المؤقتة بفارغ الصبر حتى يطمئن على منزله، ولما وجده كومة ركام، قام بجمع بقايا دمى أطفاله حتى يلهوا بها داخل مركز الإيواء، بعيدا عن اصوات القتل والقصف.

وبالكاد اسعفت الدراجة الهوائية المواطن عليوة في نقل بقايا الملبس والفراش. وبمجرد أن قامت الدبابات بإطلاق قذائفها باتجاه المواطنين هرع مسرعا، لكنه اصطدم مرارا بالطريق الوعرة.

وبمجرد أن أعلنت اسرائيل انهاء التهدئة في غزة بعد نحو ثلاثة ساعات على بدئها، هرع المواطنون باتجاه مراكز الإيواء مجددا بعدما رءوا في الهدوء المؤقت بارقة امل لانتهاء الحرب الضروس، لكن آلة الموت ماتزال مصرة على الإمعان في قتل المزيد من المواطنين الآمنين غير أبهة بالمواثيق  الدولية.

البث المباشر