قائد الطوفان قائد الطوفان

كيف قاتلت نخبة القسام وحدات الكوماندوز؟

عناصر القسام بغزة
عناصر القسام بغزة

غزة - خاص الرسالة نت

منذ انطلقت شرارة الحرب على قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز الماضي، قبّل مجاهدو القسام من وحدة النخبة رؤوس ذويهم وخرجوا مودعين المال والولد، تحفهم دعوات الأمهات بأن يعودوا سالمين، وعلى الباب يلوح الصغير ان عّد يا أبي ولا تتركنا ايتاماً، فيما يردد المجاهدون "اللهم نسألك الشهادة مقبلين غير مدبرين".

كل شخص في هذه الوحدة، هو شهيد حي، وهب روحه للجهاد، خصوصا وأن القيادة الميدانية اصطفتهم من بين سرايا القسام المختلفة، ليخوضوا المهمة الأعقد والأهم في معركة كانت ولازالت هي الأشرس على مستوى الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وذلك بناء على كفاءاتهم القتالية وقدرتهم على تحمل قسوة المواجهة.

مجموعة من هؤلاء النخّب وعدد أفرادها أربعة، توجهت إلى شاطئ بحر ما يعرف بمنطقة "السودانية" شمال غرب مدينة غزة. "الرسالة نت" التقت أحدهم للتعرف على طبيعة المواجهة التي خاضتها هذه المجموعة تحديدا في صد قوة الضفادع البشرية في سلاح البحرية الاسرائيلية فجر الثالث عشر من يوليو (أي بعد نحو أسبوع من بدء الحرب).

يشرح المجاهد وهو ملثم الوجه، كيف أن هذه المجموعة وغيرها من المجموعات القسامية في وحدة النخبة، قد تدربوا على قطع مسافة طويلة تزيد عن ثلاثة كيلوا مترا، حتى وصلوا إلى هذه النقطة (السودانية) المحاذية الى ساحل البحر.

هناك يشير المجاهد إلى أنه نصبت أربعة كمائن دوارة، اثنان باتجاه الشاطئ غربا وآخران باتجاه الشمال، وذلك كخطة لتطويق رجال الوحدات الخاصة في الجيش الاسرائيلي وإيقاعهم في الفخ.

بعد خمسة أيام ورجال المجموعة ثابتين في مكمنهم، ضاقت نفوس بعضهم لطول الانتظار، فاستأذن أحدهم للقيام الى الصلاة، هناك سمع أفراد المجموعة زميلهم يلح على الله بادعاء أن يمن عليهم بالشهادة وألا يضيع عليهم أجر الجهاد في شهر رمضان.

بعد نحو ثلاثة ساعات تقريبا، أي مع حدود الساعة الواحدة واثنى عشر دقيقة، لوحظ أن الزوارق الحربية الاسرائيلية المطاطية بدأت تتحرك باتجاه الشاطئ، وهي تقل على متنها وحدة كوماندوز بحري عرفت بـ(شييتت 13).

يقول المجاهد الذي قضى 25 يوماً خلا الحرب غائبا عن أسرته، أخذنا اشارة البدء، فباشرنا بإطلاق النار مباشرة على وحدة الكوماندوز مستخدمين في ذلك البنادق الهجومية والرشاشات من نوع B.K.C وقذائف مضادة للدروع".

ويشير رجل القسام إلى أن الكمائن القائمة كادت تأسر احد افراد الوحدة الاسرائيلية، لولا أن تدخل الطيران الحربي وكذلك البوارج في عرض البحر، حتى توفر غطاء لانسحاب القوة، مؤكدا أنهم ومع الساعة الثالثة فجراً، انسحب المجاهدون مكبدين الكوماندوز الاسرائيلي خسائر فادحة.

وعند تلك اللحظة يقول المجاهد "لقد هللنا وكبرنا، فرحا بالانتصار، وابطال دخول وحدة الكوماندوز البحري، خصوصا وأن دخولها كان سيكون سببا في السيطرة على ما يعرف بمنطقة "العطاطرة" غرب بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

وأكد على أن هذه العملية وقوة النيران اثرت بشكل كبير على امكانية الدخول البري لهذه المنطقة، وأقسم أنه لو دخلت القوات على المنطقة الشمالية لأوقع فيها خسائر بالمئات، نظرا لحجم الاعداد الكبير في تلك المنطقة التي جرى استهدافها في الحربين السابقتين على غزة، وكانت فيما سبق تشكل خاصرة ضعيفة بالنسبة لغزة فجرى تدعيمها بأعداد ضخمة جدا.

أما عن الهيئة التي خرج عليها رجال نخبة القسام من بيوتهم، فأكد المجاهد أنهم تخفوا تماما عن الأنظار، وكل شخص خرج من بيته يصطحب معه كيس من التمر وقارورتين من الماء. فيما أن التزود بالسلاح كان يتمثل بمخازن الرصاص (8 مخازن)، وقاذف (B.K.C) ونواظير ليلية.

ويقول أحد أفراد النخبة الذي رفض الكشف عن اسمه أو كنيته "لقد توضأنا وصلينا ركعتين قبل وداع الأهل والولد، وذهبنا فرادا، حتى وصلنا المكان الذي يبدو خاليا تماما من البشر، وهو ما عقد الوصول إلى الكمائن المعدة سلفاً، لكننا كنا قد تدربنا في وقت سابق على كيفية الوصول اليها حتى في احلك الظروف ضراوة".

ويلفت إلى أن بعض المعدات العسكرية التي كانت لازمة لإدارة المعركة عبر الكمائن، استوجبت وعورة المكان، نقلها بطرق خاصة تتمثل في الانفاق الأرضية، مبينا أن بعضا من رجال النخبة كانوا يتمركزون على مقربة منهم ويتخذون من الشجر غطاءً.

ويبين أن اشتداد وطيس المعركة، صعب من عملية امدادهم بالمأكل، غير أن احدهم في الخطوط الخلفية تمكن من دخول أحد المنازل وجلب منه طعاماً، ووضع ملصقا يشير إلى اصحاب البيت الذين نزحوا عنه بفعل القصف، أن هناك مجاهدين دخلوا المنزل وتدبروا طعامهم على قدر حاجتهم، وأن عليهم أن يسامحوهم على هذا.

وعن طبيعة الأجواء داخل الكمائن يوضح المجاهد المثلم، أنهم كانوا يقضون أيامهم يتبادلون الأدوار، بين النوم واليقظة، غير أن معظم الوقت يصبرون أنفسهم بالدعاء وترديد الاناشيد الروحانية.

ويقول "إن حالف احدنا الحظ فكان ينام على سجادة الصلاة، ولكن معظم الوقت كنا ننام القرفصاء على الأرض"، مشيرا إلى أنهم لم يؤدوا الصلاة جماعة في أغلب الأوقات وذلك حفاظا عى أرواحهم وضرورة ألا يغفلوا عن مراقبة الميدان.

 وأضاف "كل شخص منا كان لديه مصحفا في جيبه، يستغل بعض الأوقات في قراءة القران، على ضوء انقطاعنا عن العالم وعدم اصطحابنا أجهزة اتصال او راديو (..) فقط كنا نتواصل عبر الاتصالات الارضية الخاصة بالمقاومة".

ويذكر المجاهد أن جغرافية المكان كانت تحول دون تحرك أفراد الكمين، وهذا ما جعلهم يقضون خمسة أيام بدون أي امداد في الطعام والشراب، وأمضوا ايامهم على قليل من التمر والماء"، مبينا أنهم كانوا يستعينوا على الانتظار بالدعاء، "فكان الله ينزل السكينة والثبات علينا".

ورغم إعلان الاحتلال وقف اطلاق النار لمدة (72 ساعة)، بدأت من صباح أمس الثلاثاء، على أن تنتهي غدا الخميس، لكن مجاهدي النخبة لم يتركوا كمائنهم.

ويقول المجاهد الذي عاد بيته سرا، "لقد غادر الكمائن بعد 25 يوما وحل مكاننا مجاهدين اخرين بطريقة سرية"، مؤكدا أن أسرته التي كانت قد ظنت أنه قد فارق الحياة، استقبلته بحرارة الدموع والعناق الشديد، لكنها لم تسمع صوت فرحتها أحدا من الجيران، في اطار الحس الأمني العالي الذي اتبعوه.

البث المباشر