"بيت حانون" فرحةٌ اختلطت بالألم والغبار

إمرأة من بيت حانون تبكي على مصابها
إمرأة من بيت حانون تبكي على مصابها

الرسالة نت-عبدالرحمن الخالدي

ما أن أُعلن وقف إطلاق النار ليؤذن بنصر غزة بصمودها وقتال أبناءها الأطهار، حتى خرجت جماهير القطاع في احتفالات عشوائية جابت الشوارع كافة حاملين رايات النصر وموزعين حلوى قهرهم للمحتل وكسر إرادته.

تلك الفرحة كانت منقوصةً عند أهالي بعض المناطق التي نالت النصيب الأكبر من العدوان الذي استمر لأكثر من 50 يومًا على القطاع، تاركًا خلفه آثار دمار وتخريب وقتلٍ لن ينساها ساكنوها وزائروها مهما طالت السنين.

"بيت حانون" اسمٌ لطالما تكرر على مسامعنا خلال أيام العدوان المسعور، فآلات الحرب بأشكالها عاثت فيها فسادًا، فلم تدع منزلاً واحدًا إلا ولقي نصيبه من الاستهداف أو التضرر جراء مختلف أنواع القذائف والمتفجرات التي ألقيت عليها.

غصّة وآلام

مواطنوا هذه البلدة، سطّروا أروع أمثلة الصبر والتضحية، فرغم ما لحق بهم من خسائر فادحة تتطلب أعوامًا لتعود إليهم الحياة من جديد، إلا أنهم التفوا حول المقاومة الفلسطينية وأيّدوها كل التأييد، عاملين بشعار "ما ظل إشي نخسره".

الحاج جمال الكفارنة، والذي دمّر الاحتلال منزله المكون من ثلاثة طوابق، يقف متأملاً في ثنايا وزوايا منزله الذي تحوّل إلى طبقات حجارة متراكمة فوق بعضها، يتذكّر بحسرةٍ شكل منزله الذي بناه بأيديه وبعرق جبينه، فهو عامل بناءٍ قديم.

يقول الكفارنة لـ "الرسالة نت": "اتصلت المخابرات الإسرائيلية وأبلغتني بإخلاء بيتي وبيت أخي المجاور وجاري الآخر، رغم أنني كنت قد أخليت المنزل وعُدت لمدرسة الإيواء قبل ساعات من الاتصال، وما هي إلا ساعات حتى أبلغت بتدميره بالكامل".

عن اللحظات الأولى لتأكد خبر تدمير المنزل، يحكي أبو عامر أن ضيقًا وحزنًا شديدًا أصابه، خاصةً أنه أتى برفقة بعض أبنائه قبل ساعاتٍ من قصفه، في زيارة نظفوا خلالها المنزل وجهزوه على أمل العودة إليه لاحقًا.

"فرحتنا نغصتها حسرتنا على منازلنا المدمرة وكابوس العودة للعيش في لمدرسة الإيواء، إضافةً لصعوبة نسيان من ارتقى من الشهداء من أبنائنا وأقاربنا وأصدقائنا"، عن لحظات ما بعد وقف اطلاق النار يتحدث الكقارنة.

غُبار المنازل المدّمرة والمتراكمة من هذه البلدة، غطّى أجزاءً كبيرة منها، فيما يحاول سُكانها لملمة جراحهم وتنظيف بلدتهم وإعادة الحياة إلى طبيعتها قدر المستطاع، منتظرين فرج المولى ومشاريع "إعادة الإعمار".

الحاجة فاطمة حمد، والتي وجدناها تحاول انتشال أي شيءٍ يُمكن استصلاحه من ركام منزلها المنكوب، حانيةً ظهرها عشرات المرات، رغم كِبر سنّها وصعوبة حركتها ووضعها الصحي.

تحدثنا مع الحاجة فاطمة، بعد أن أجبرناها على الجلوس والاستراحة وترك أبنائها وأحفادها يُكملون مهمة "البحث عن اللاشيء"، فبدأت بالقول "ما ضل اشي نستفيد منه، ولا ظل مكان إلنا نقعد فيه يا حسرة".

لا إجابة

مظاهر الألم بدت واضحةً بين تجاعيد وجهها الذي أرهقته السنين، فهي عاصرت الحروب الثلاث الأخيرة، مؤكدةً أن هذه الحرب لم يسبقها مثيل في هولها وإجرام المحتل فيها.

"أربع طوابق صاروا كومة رمل، وأنا وأولادي تشردنا بعد ما هدّوا هالدار اللي كانت ساترانا والحمد لله، لكن إن شاء الله حترجع وأحلى من الأول"، تُكمل الحاجة فاطمة لـ "الرسالة نت".

تروي الحاجة فاطمة أن إحدى حفيداتها التي لم تتجاوز السادسة من عمرها، سألتها بسؤال الطفل البريئ "ليش يا ستي هدموا دارنا؟"، فلم تستطع الحاجة الإجابة ووقفت عاجزة أمام هذا السؤال الذي يراود كل من هدم الاحتلال منزله وسوّاه بالأرض!.

النعايمة وأبو عودة والمصريين والبورة، مربعات سكنية وشوارع شهيرة في تلك البلدة الصابر أهلها، شهدت دمارًا واسعًا تذهل له الأبصار، موقعًا ما يقرب من 1280 وحدة سكنية تدمرت بشكل كامل، إضافةً لأكثر من 1200 وحدة دُمّرت جزئيًا إلا إنها لا تصلح للسكن مُطلقًا، وفق مصادر إحصائية لـ "الرسالة نت".

وتبقى "بيت حانون" شاهدةً كغيرها من المناطق المنكوبة على إجرام وبطش آلات الجيش "الإسرائيلي" الذي يدّعي الأخلاقية، إلا أن كلّ غزّيِ أدرك أنه "أينما أفظع المحتل في جرائمه، فإنه حقًا ذاق الويلات وتكبّد الخسائر في تلك المنطقة".

عدسة عبدالرحمن الخالدي

البث المباشر