مثّل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، نقطة تحوّل في العلاقات المصرية الحمساوية، بعدما وصلت إلى تدهور غير مسبوق، عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وصل حد التهديد باستخدام السلاح، واستصدار قرار يقضي بحظر نشاطات الحركة على الأراضي المصرية.
لكن لغة المصالح أرغمت المخابرات المصرية على إعادة علاقتها مع حماس؛ لإصرارها على الإمساك بزمام الأمور، وعدم السماح لأي دولة بأخذ دورها في صياغة اتفاق وقف إطلاق النار، في ظل تلويح حماس ببدائل عدة، كونها الطرف الأقوى على الارض.
مراقبون قدّروا أن مصر معنية باستمرار العلاقات، في ظل الحديث عن جولات تفاوضية مقبلة، تملك لها حماس العديد من أوراق القوة.
وتؤكد التصريحات الصادرة من الجانيين رؤية المحللين السياسيين، خاصة وأن الخارجية المصرية قالت منذ يومين إنها تهتم بكامل الشعب الفلسطيني، وتسعى إلى إقامة علاقات تعاون مع حماس، فيما سبق ذلك التصريح، "اتصال الشكر" الذي دار بين نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، والمخابرات المصرية، الذي يعد الأول منذ فترة طويلة.
الخبراء يؤكدون أنه أصبح من غير الممكن تجاهل حماس، التي عانت قبل الحرب من العزلة السياسية، وظروف اقتصادية صعبة.
ويقول وليد المدلل أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية: "حماس ربحت كثيرا بعد الحرب، حيث أصبح يتم التعامل معها كقوة لا يمكن تجاوزها، بعدما كان الحديث عن امكانية استئصالها، خاصة من المصريين".
واعتبر أن وجود حماس ضمن الوفد الفلسطيني الموحد إلى القاهرة، منحها قوة، وأغلق الطريق أمام الاستمرار في شيطنتها، مؤكدا أن الحركة أظهرت للعالم أنه لا يمكن تجاوزها في أي حل، وأن الحل السياسي معها هو الأمثل، بعدما شاهد الجميع قدرتها أمام الاحتلال الإسرائيلي.
وفي السياق نفسه، فإن مصادر مطلعة ذكرت لـ "الرسالة" أن اتفاق القاهرة تضمن تعهدا مصريا من المخابرات بفتح صفحة جديدة مع حماس، وطي الماضي، في حال وافقت على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعايتها.
لكن تلك المعلومات تترك تساؤلا عن مدى جدية هذا التعهد؟ أم أنه جاء من باب التحفيز على الموافقة لا غير؟ الإجابة على السؤال ستبقى معلقة إلى أن يُظهرها التصرف المصري على الأرض خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
في المقابل، فإنه من الواضح أن مصر تصر على استبعاد حماس عن سدة القرار في غزة، ويظهر ذلك من مطالبتها الرئيس عباس بإرجاع حرس الرئاسة للعمل في معبر رفح، مع عودة قوات الأمن الوطني لحماية الحدود، وهذا ما أكده الدكتور موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي للحركة -الذي يزور قطاع غزة حاليا-والذي قال إن مصر لا ترى في حماس سلطة شرعية، وتريد شرعية مسؤولة للوقوف على معبر رفح"، مؤكدا ترحيب حماس بذلك.
لكن مراقبين رجّحوا أن المصريين في حال شعورهم بأن عباس لا يمكنه التواجد في غزة، وأن قواته لا تحكم فعليا، ولا يمكنها السيطرة على الحدود -كما السيطرة الحمساوية أيام حكمها للقطاع- فإن الأمور ستدفع باتجاه توافق مصري مع حماس، بصفتها صاحبة القوة على الأرض، ومن لديها القدرة على ضبط الميدان، خاصة أن التقديرات تشير إلى أن عباس ليس الخيار الوحيد أمام مصر، بل لديها خيارات أخرى، تتمثل في إدخال القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان إلى المشهد، من خلال صياغته من جديد، بالتوافق مع حماس، في حال وجدته الأخيرة مُصرّا على التمسك بمواقفه العدائية منها.