قبالة الجدار المروّس بجملة "ميناء رفح البري"، جلس أحمد على شنطته منشغلًا في التفكير بمصير رسالة الماجستير التي ينتظر إكمالها في تركيا، فيما علا صوت شقيق الجريح ياسر الذي حمل بين يديه تحويلة طبية للعلاج في مستشفيات أنقرة.
"مفيش سفر لتركيا" تلك لافتة مُلسنة صرخ بها ضابط مصري يعمل على معبر رفح في وجه مسافر ذاهب إلى تركيا ليكمل دراساته العليا، وكان على وشك الانتهاء منها إلا أن ذلك أصبح بعيدًا بعد قرار من السلطات المصرية بمنع الغزيين من السفر لتركيا وقطر.
حالة من الصدمة بدّت على ملامح أحمد خلال حديثه لـ "الرسالة نت" قائلًا: "حتى الآن مش مستوعب الي صار!، آخر ما كنت أتوقع أن أحرم من العودة لمكان إقامتي في تركيا".
وصل أحمد قطاع غزة قبيل العدوان الاسرائيلي على غرّة في تموز (يوليو)، في زيارة عائلية بعد غياب استمر سنوات انشغل خلالها في متطلبات الحصول على درجة الماجستير، وقرر العودة بعد الحرب لإعداد الرسالة العلمية.
ويضيف أحمد الذي أرهقه قرار منع السفر لتركيا: "أنا معي إقامة، يعني يحق لي العودة في أي وقت إلى مكان إقامتي. هدفي من السفر إكمال دراستي. يعني ما في مبرر لمنعي بتاتًا".
أهل غزة المحرمون من السفر للخارج على مدار السنوات الماضية، لم يزدهم هذا القرار إلا ألمًا، كيف لا؟ وهم المحتاجون للسفر طلابًا ومرضى، إلا أن السياسة داست احتياجاتهم جميعًا.
"إن شاء الله بتم التراجع عن هذا القرار الذي سيحرمني من إكمال مسيرتي التعليمية" بهذه الدعوات حاول الطالب أحمد لملمة ما أصابه من يأس بمنع سفره لتركيا وحرمانه من الحصول على درجة الماجستير دون أسباب.
وفي حكاية ألم أخرى. الجريح ياسر أحمد – اسم مستعار- أصيب في غارة (اسرائيلية) استهدفت منزلهم جنوب قطاع غزة، أدت لاستشهاد شقيقه وإصابة آخرين، إلا أن حالته الصحية الصعبة استدعت السفر للعلاج خارج غزة.
بصعوبة تمكن ياسر من الحصول على تحويلة طبية إلى الجهورية التركية للعلاج هناك، وبالفعل تمكن من دخول مصر تمهيدًا للسفر من خلال مطار القاهرة.
شقيق الجريح تحدث لـ "الرسالة نت" عن رحلة سفر شقيقه المعطلة بسبب قرار السلطات المصرية: "بعدما تمكنا من اجتياز معبر رفح، تمهيدًا للسفر إلى المشافي التركية ضمن تحويلة طبية مكثنا في مستشفى مصري مؤقتًا".
وفي خطوة غريبة أقدمت المخابرات المصرية على سحب جوازات سفر الجريح ومرافقه لحظة وصولهم المستشفى، منعًا لسفرهم إلى تركيا وفق التحويلة الطبية التي بحوزة المريض.
"إهمال طبي واضح رغم حاجة أخي لغيار على جروحه بشكل يومي، وهذا ما استطعنا الحصول عليه بعد عدة مناشدات لإدارة المستشفى". يصف شقيق الجريح معاناة الإهمال الطبي التي تعرضوا لها في المستشفى المصري.
ياسر ليس المصاب الأول الذي تمنعه السلطات المصرية من السفر لتركيا التي فتحت أبواب مستشفياتها لكافة جرحى غزة مجانًا، فكحالته عدد من جرحى العدوان لم يسمح لهم بالسفر، منهم من عاد إلى غزة لإكمال علاجه، ومنهم من بقى في مستشفيات مصر.
مصدر مسؤول في معبر رفح البري تحدث لـ "الرسالة نت" عن معاناة متفاقمة نتيجة القرار المصري، فقال إن عشرات الجرحى والطلاب منعوا من السفر لأن وجهتهم تتمثل في قطر أو تركيا.
وأوضح المصدر الذي فضل إخفاء هويته أن السلطات المصرية أصدرت القرار خلال الأسابيع الماضية، في ظل حاجة المصابين لإكمال العلاج هناك على نفقة الحكومة التركية دون أن تذكر أي أسباب لهذا المنع.
إذن منّ اجتاز المعبر رشوةً أو بضربة حظ، أمسى اليوم ليس بإمكانه السفر للمحظورتين مصريًا، فالانتقام من موقفهما طال المحتاجين للسفر من خلال منعهم من الخروج عبر معبر رفح البري، ويبقى الجميع في انتظار أن تحنو الشقيقة على جارتها وسكانها.