بتذمر.. يركل الطفل عبد الله خليل الكرة لصديقه محمود في أحد أزقة مخيم جباليا. ليسأله الأخير عن سبب هذه الكأبة. ليرد عبد الله: "أجت المدرسة والواحد نفسيته تعبانة وما في نفس أتعلم".
ومن بداية الأسبوع المقبل ستفتح مدارس القطاع أبوابها لاستقبال طلبتها. بعدما تأخر العام الدراسي أكثر من أسبوعين عن موعده الرسمي جراء العدوان الإسرائيلي.
من المشاهد التي أرهقت نفسية الطفل عبد الله. عندما كان ذاهبا مع والده إلى السوق المركزي في المخيم. وعلى بوابته قصفت طائرة حربية بدون طيار تجمع مواطنين.
يروي الطفل بصوت غلب عليه الخوف بعدما عاد بذاكرته لذاك المشهد: "كانت الأرض ملانة دم، الرؤوس مقطعة، خوفت كتير وما عرفت وين أروح".
وما أتعب عبد الله أيضًا. أنه يقطن مع عائلته المكونة من عشرة أفراد في منزل واقع على الحدود الشرقية من المخيم. علمًا أن تلك المنطقة كان لها النصيب الأكبر في منطقة الشمال من القذائف الإسرائيلية خلال الحرب الثالثة على غزة.
يتابع عبد الله بعدما التقط أنفاسه: "كرهت المدرسة (..)، نفسي أرجع مثل الأول أحب الدراسة".
هذا حال نفسيات أطفال غزة. رغم أن ما يقع على عاتقهم من مسئوليات لا يتخطى ارتفاع زهرة النرجس عن الأرض، لكن ما شاهدوه من أراضي ملطخة بالدماء. أجساد مثل أجسادهم الصغيرة ممزقة. يسمعون بكاء جارتهم وعويل آخرى، تكفي.
وانتقلنا من جباليا لمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. تجولنا بين أزقته وصولًا إلى سوقه. التقينا بالسيدة أم سعيد مصطحبة معها طفليها إياد وجهاد تشتري لهم قمصان خاصة بالزي المدرسي.
تقول الثلاثينية:" قبل سنة كانت أحلى فرحة لأطفالي، حين أخذتهم للسوق واشتريت لهم للمدرسة، ولكن اليوم الأمر مختلف كليًا".
قطع حديثنا مع الأم طفلها جهاد المتميز في دراسته، حين قال:" يما ما بدي أشتري للمدرسة(..) أنا كرهتها".
يكمل ذو البشرة القمحية:" أنا بدي أفرح قبل ما أروح (..) خايف وأنا في المدرسة تقصفنا الطيارة".
ويبدو أن ذكريات الحرب الأخيرة التي لم ترحم أحدًا بغزة. ما زالت عالقة في أذهان الأطفال. الرعب والقلق ما يسيطر على تفكيرهم البريء.
أما إياد الذي بقي صامتًا طوال حديثنا مع أخيه وأمه. السبب أن أعز صديق له وزميل الدراسة استشهد جراء سقوط قذيفة على منزله.
وتسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بارتقاء نحو 430 طفلًا، والضرر النفسي لأكثر من 400 ألفٍ آخرين، وفق إحصائيةٍ لوزارة الصحة.
المستشار الإعلامي لوكالة الغوث الأونروا عدنان أبو حسنة يقول، إن أكثر من 475 ألف طفل في غزة يعانون من درجة معينة من الصدمات النفسية الأمر الذي يتطلب جهدا جبارا لمواجهة هذه الضغوط الهائلة ولاستعادة طبيعة هؤلاء الأطفال.
ويضيف: "في الأسبوع الأول من العام الدراسي ستبدأ الاونروا ببرامج الدعم النفسي وتستمر النشاطات اللامنهجية التي تعتمد على الاساليب المهارية لمدة شهرين قبل الدخول في المواضيع الاساسية للدراسة".
لا نعلم هل سيثقل العام الدراسي كاهل أطفال غزة. أم سيخفف عنهم وينسيهم ذكريات وألام الحرب الإسرائيلية المسعورة؟