الحلقة (18): الرؤية الاعلامية وتصويب المسار

(صورة من الأرشيف)
(صورة من الأرشيف)

الرسالة نت-خاص

كلا الطرفين لعب دورًا إعلاميًا ملحوظا خلال أيام العدوان، وجميعهم أعطى مقدمات فعل وردود فعل من أجل أن يتوازى الرعب بالرعب والقدرة بالقدرة والعطاء بالعطاء، فالإعلام أخذ منحىّ آخر، وفتح جبهة أخرى خلال تلك المرحلة.

أبدعت المقاومة الفلسطينية في إعلام المعركة خلال "العصف المأكول" حتى غدت الرقم الأول، ومنذ نشأة المقاومة لم تكن الرواية الفلسطينية حاضرة بالنبض الفلسطيني، ولم يكن الإعلام مساندا لها، ولم يكن حاضرًا بمصداقية عالية.

اليوم تطوّر الفعل وغدا الزمان غير الزمان، وبدأت عشرات الوكالات وشاشات التلفزة ومئات المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيراً. في عصر "العصف المأكول" تغير الزمان الإعلامي بعد أن كانت الرواية فقط تنطق باللغة العبرية، وتتماهى معها كل الوكالات الرسمية وغير الرسمية، فالمقاومة أصبحت بمخالب إعلامية قادرة على الفعل، إلا أنها ما زالت محاولات تنضج رويدًا.

اليوم معركة جديدة تدار لشيطنة المقاومة وإسقاط منظومة قدرتها، كما يراد إسقاط النصر وتبهيته، ويعاد الاعتبار مرة أخرى "للإعلام الأصفر" الذي يحاول تقزيم المقاومة وفعلها، ودب الخلاف في الشارع الفلسطيني، ثم صناعة أزمة في الجبهة الداخلية بقطاع غزة.

السلطة الفلسطينية بكل أدواتها وقياداتها بدأت مع بدء العدوان على غزة، بالتحدث بوتيرة العاطفة والدماء والخسران والعجز والقتل والأطفال والنساء وعدد الضحايا، أصبحت تعمل بنظام "دق الأذن الفلسطينية"، الذي تحاول من خلاله تبهيت المقاومة وأداءها.

محاولات عدّة نشهدها تحاول وسائل الإعلام المضادة من خلالها تأزيم ذلك، ونقل الأزمة عبر إعلامهم إلى القطاع، في محاولة تصوير أن غزة تمنع الإعمار والإمداد وتسرق الأدوات والاموال ودائما ما تقوم بالأعمال غير المناسبة للواقع، بل تذهب للأبعد من ذلك حين تتهم المقاومة بأنها قتلت شعبها.

هذه صور تحاول السلطة وأدواتها وإعلامها المتفِق مع منظومة الإعلام العالمي، الذي يحارب المقاومة، من إعلام مصري وإعلام عربي مدفوع الأجر موجه توجيهًا دقيقا، بدأ يقوم على هذه الوتيرة، ويستحضر قيادات يحاول تلوينها.

هذه الألاعيب لابد من مواجهتها بإعلام مضاد تقوده استراتيجية واضحة ومنهجية سليمة، تتبعها وسائل الإعلام بأنواعها كافة، فصحافتنا المكتوبة على سبيل المثال لابد أن تعمل وتجتهد من أجل أن توثق الحالة المقاومة وصورة النصر وتبعاته، وتعيد العمل بتسلسل منهجي يقوم على فكرة توثيق الانتصار وصوره.

أخطاء كثيرة غير مبررة وغير مفهومة تحدث، وهي تزيد حالة التأزيم، وتسلب المقاومة القدرة الدائمة على المناورة، لذلك يجب التأكيد أن القيادي الفلسطيني المقاوم لابد أن يكون أديبا متزنا يملك المعلومة، وحاضراً في النقاش والحوار، مع ضرورة امتلاك أدوات الدلالة والقدرة على الرد بالحجة بهدوء من غير جلبة ولا تصعيد، أي أننا نحتاج لشخصيات فذة قادرة على الحوار.

حجم الضخ الإعلامي كبير، وإدارته لابد أن توازيه حالة ترتيبية ورؤية جيدة في طرح الأمور، القادة بالقادة والسياسيون بالسياسيين وجها لوجه. في هذه المرحلة كل الحرب على الجبهة الداخلية، خاصة بعد أن حققت المقاومة نصرا شعبيا غير مسبوق.

كثير من قنوات التلفزة لابد أن تعيد الاعتبار لحالة منهجية، تقوم على تذكير الناس وترسيخ ما صنعته المقاومة من إنجازات عبر تقارير مركزة وأفلام وثائقية وإدارة حوارات، وبالتحديد في الضفة المحتلة، لأنها غائبة سياسيا، كما أن سياسيي الضفة السائرون مع برنامج المقاومة ونهجها، ومن لهم تأثير في الشارع الفلسطيني، لابد أن تخصص لهم برامج من داخل الضفة تتحدث عن الانتصار والنصرة والبُعد الذي أحدثته المقاومة، من خلال لقاءات مفتوحة. فالأمور الآن تتجه نحو مشكلة حقيقية بفعل القنوات المضادة التي تحاول أن تستجلب الناس للطعن في المقاومة، عبر استئجار أدوات تقوم بتخريب صورة النصر.

الإذاعات الفلسطينية التي تتبنى الفكر المقاوم ينبغي عليها أيضاً تقوية دائرة البث للوصول إلى الناس بشكل جيد، وتقديم خطاب متزن يصل إلى الكل الفلسطيني، لأن هناك دائرة من الإذاعات تهدم صورة النصر وتهدم الرؤية التي تتبناها المقاومة لصالح رؤى أخرى.

مدرسة مصر في الإعلام الآن وللأسف تُطبق بأركانها في الضفة وغزة من أجل أن نصل إلى نقطة مهمة، وهي أن تُشيطن المقاومة ويطعن فيها ويشكك في النصر.

العتب اليوم على بعض الشخصيات الإعلامية التي حاولت تسويق نفسها في مرحلة الحرب، والآن يتم استخدامها لتبهيت الانتصار وتغييب دور المقاومة الفلسطينية، من خلال قلمها المسموم وظهورها الإعلامي الذي يحاول أن يأخذ الأمور إلى زاوية المُعادين للمقاومة.

أما بشأن المواقع الالكترونية، فلابد للكاتب الفلسطيني أن يبدع في الكتابة، وأن يُعاد الاهتمام لسيناريوهات محددة تُهاجم من خلالها كل الأدوات المارقة بشكل واضح وأدبي لا يستفز الناس، وألا نكرر السيناريو المصري الذي حدث في عهد الرئيس المصري محمد مرسي.

مواقع التواصل الاجتماعي لا يجب إهمالها أيضا، وهي من الوسائل المهمة التي تصنع الرأي وتجمع الناس، والمتابع لها –خاصة موقع فيسبوك-يرى أنه يدار من قبل الإعلام المضاد للمقاومة. والآن توجد منهجية لإعلام مضاد يريد أن يصل بالمجتمع الفلسطيني لحالة كراهية وتصادم مع المقاومة.

هناك مجموعات منظمة تدير عملية شيطنة المقاومة على مواقع التواصل، ترتبط بنفس المنهجية التي تتبعها وسائل الاعلام الأخرى "الدق على الأذن والتكرار"؛ لتأزيم العلاقة بين المواطن والمقاوم.

كنشطاء إعلاميين على مواقع التواصل لابد أن نحاول دائما أن نبرز المقاومة وننصرها ونوحد جبهة مشتركة في ذلك، كما أن على وسائل الإعلام أن توحد أجندتها بشكل منظم وواضح في نصرة المقاومة، من خطاب وآليات واستراتيجيات واضحة.

لا ينبغي أن نترك سترا لأحد يحاول أن يمس بالمقاومة، وعلينا إعادة القراءة والاهتمام ببعض الصفحات المهمة، وأن نشن هجوما مفتوحا على كل المواقع التي تهاجم المقاومة، من خلال الحوار بالحجة والدليل والتوثيق.

كم هائل من المعلومات استطاع المتابعون للإعلام "الاسرائيلي" التقاطه بعد انتهاء الحرب ودخول الهدنة حيّز التنفيذ، حول خيبة إسرائيل وانجازات المقاومة، إلا أن الإعلام "الإسرائيلي" سرعان ما أعاد ترتيب أموره وبدأت وسائله بتقنين المعلومات، وضبط آليات النشر، والحديث بشكل متقن وخاصة الإعلام المكتوب.

المسؤولية الواقعة على الإعلام الفلسطيني بعد انتهاء المعركة تفوق مسؤولية من قاتل على الأرض، لأن الاعلام هو الذي يصور الانتصار، والكاميرا هي من توثق المشهد وترصد الحالة، والقلم يرسم ملامح المستقبل.

ينبغي على الإعلاميين أن يشكلوا رابطة يتم من خلالها تبادل المعلومات، وأن يتم الاتفاق على خطوط عريضة للمعلومة وانتشارها، فالأمور الآن حساسة، ويجب الحفاظ على انجاز المقاومة والشعب الفلسطيني، وحتى يومنا هذا، يظل التحرك الإعلامي المطلوب لا يوازي التحرك الذي يعمل على تبهيت المقاومة وشيطنتها، والأطراف الأخرى التي تسعى لضربها تعمل بكل حرية.

الإشاعة باتت تقتل وتهز كثير من الذين يساندون المقاومة وفكرها، ومن المفترض التركيز على الرد عليها ومعالجتها بشكل مباشر وسريع دون الاستخفاف بها، فالإشاعة تهدم نصراً وتصنع كذباً ورأيا شعبيا يمكن أن يكون نقيضاً للمقاومة.

البث المباشر