"لن يكون هذا العيد لنا سنصنع عيدنا بأنفسنا وعلى طريقتنا, لن نترك اطفالنا بلا فرحة سنحتفل وحدنا في مأوانا", كلمات الاصرار على الحياة والفرح لم تسكتها مشاهد الألم اليومية التي يعايشها النازحين في مراكز الايواء التي يقطنوها منذ ثلاثة أشهر بعدما دمرت الحرب (الإسرائيلية) مساكنهم وذكريات أعيادهم.
جاء عيد آخر وهم على حالهم, لم يجدوا فرقا كبيرا بين عيد الفطر الذي جاء وألة الحرب (الإسرائيلية) تدك القطاع بكل انواع الصواريخ والقذائف وبين أضحى جاءهم بعدما بردت رؤوس المدافع وانجلت صورة كارثة خلفتها الحرب على بيوت بعضها اصبح تحت الارض ولم يتمكنوا من تحديد أكنها.
حفلة في مركز إيواء
مدرسة غزة الابتدائية المشتركة "ج" بمنطقة الرمال لا زالت تحوي بين جنباتها قرابة 1200 من النازحين جلهم من حي الشجاعية الذي دمره الاحتلال ومسح أجزاء كاملة منه عن الخارطة, الى جانب احياء اخرى في المنطقة الشرقية من مدينة غزة.
"ما تخلوني أبكي" كلمات صاحبتها دموع حبستها في عينيها بمجرد ان سألت كيف ستقضي عيدها القادم بهذه الحال. أزهار الجزار هي نازحة من حي الشعف شرق غزة تقيم في المدرسة رفقة زوجها وابنائها الستة, تشتكي سوء حالهم وتفرق ابنائها على بيوت اقاربهم في منطقة الشعف بسبب بدء الدراسة وصعوبة اجراءات النقل لمدارس قريبة من مراكز الايواء.
"عنا ما في أضحى عيدنا بس نرجع على بيوتنا", تقول ازهار لـ"الرسالة, وتؤكد أن مظاهر العيد ستكون في لم شملها مع ابنائها الذين تمر ايام دون ان تراهم.
وتضيف "عندما أسير في الشوارع وأشاهد الناس يستعدون للعيد ويصطحبون اطفالهم لشراء الملابس والحلوى تسكنني حسرة كبيرة على حال اطفالي الذين لن يفرحوا بملابس العيد هذا العام ولا بعيدية الاقارب وكل ما يمكنني فعله لهم هو اخذهم في نزهه الى ساحة الجندي المجهول القريب من المدرسة يوم العيد وشراء لهم البوظة".
أزهار ليست سوى حالة من عشرات الاف النازحين ما زالوا يقيمون في 26 مدرسة تابعة للأونروا ويبلغ عددهم ما يقارب 60 الف نازح.
لم يختلف حال النازح طلال بردخ عن سابقته لكنه لم يجد أحد من أقاربه في منطقته شرق الشجاعية ليترك اطفاله عنده حتى يتمكنوا من الذهاب لمدارسهم فقد دمرت كل المنطقة التي يسكنها بالكامل ويضطر لنقل اطفاله لمدارسهم يومياً بتكلفة مرتفعة مقارنة بأقرانهم.
ضحك بردخ مطولا وكأنه يحاول أن يلقى بتلك الهموم الثقيلة التي تجثو على صدره, بمجرد أن جاء ذكر عيد الاضحى, وقال لـ"الرسالة" "أي عيد سنحتفل به ونحن بهذه الحال, العيد مش النا احنا صرنا منسيين".
ويضيف النازح "احنا في منطقة حيوية والاسواق تكتظ بالناس من حولنا ولما يرى أطفالنا هذه المشاهد يعتصر قلبنا من الالم لانهم حرموا من الفرح مثل غيرهم".
لكنه أكد انهم اتفقوا مع احد اقرابهم الذي يملك الات موسيقية بان يحضر للمدرسة يوم العيد لإقامة حفلة علّها تعوض اطفالهم شيئًا مما فقدوه وتنسيهم, كما سيجرون تصويتًا داخل المدرسة على إذا ما كانوا سيقدمون العيدية ام لا والجميع سيلتزم بقرار الاجماع.
الفرحة لواحد
التف اطفالها الستة حولها وهي تمسك بكيس به بنطال وقميص, سألت الموظف "لمين هاد انا عندي ستة", فأجابها "الكسوة لطفل واحد فقط من كل أسرة", اعادت الكيس اليه وصرخت "لن افرق بين اطفالي اما ان يفرحوا جميعاً او يبقوا كلهم بلا فرحة او عيد".
لم تحتمل آلام نظرات أطفالها المتلهفين لكسوة جديدة يلهو بها في ساحة المدرسة يوم العيد مع اقرانهم من النازحين, خانتها دموعها وسقطت رغم محاولاتها حبسها, صرخت قائلة " قلبي ينزف وأولادي لن يشعروا بالعيد, مش حنطلع من المدرسة ولن اخذهم لزيارة اقاربهم حتى لا يتحسروا على حالنا".
"الرسالة نت" دخلت مدرسة تابعة للأونروا في منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة أثناء توزيع كسوة العيد على النازحين والتي تبرعت بها شركة جوال, لكن هذه الكسوة لم تنجح في رسم البسمة على وجوه الاطفال بل ازداد غضب الاهالي وحسرة الاطفال عندما علموا ان طفل واحد فقط سيحصل على الكسوة من كل عائلة.
مشاهد الغضب وصراخ النازحين لم تمنع الطفل أحمد 8 سنوات من الاحتفال بالعيد باكرا, وحده جلس على درج المدرسة يشدو بصوته الناعم "اجا العيد اجا العيد يله نلبس توب جديد".
أحمد استمر بالغناء بينما كانت والدته تحاول تبديل الملابس التي تسلمتها مع اخرى حتى تتناسب مع مقاسه لكنها لم تجد الا ملابس تناسب اخيه الاكبر, سارت امه الى الصف الذي يقيمون فيه صامته بينما احمد استمر بالصراخ والغناء وهو يركض خلفها ظنًا منه انه سيحتفل بها هذا العيد.
"كنت انتظر العيد كل سنة حتى اشتري ملابس جديدة واخذ عيديتي واشتري بها الحلوى واركب المرجيحة, لكن هذا العيد ما الو طعم فلا كسوة ولا بيت نستقبل فيه الاقارب ولا عيدية, احنا مش راح نعيد", حنان سكر طفلة في الصف الاول الاعدادي تبحث حولها عن فرحة او مظهر للعيد ولا تجده.
تذكرت حنان تلك الارجوحة التي كان ينصبها الجيران كل عيد في الشارع وتصطحب اخوتها معها ليمرحوا مع ابناء جيرانهم لكنها تقول "ادمرت المرجيحة واتفرق الجيران", اشاحت وجها عنا وتابعت " ما راح اعيد ولا اطلع من الصف".
أما أم حنان فأكدت للرسالة انها أبلغت كل ذويها واقاربها الذين كانوا ينون زياتها في المدرسة اول ايام العيد انها لن تستقبل احد في مركز الايواء ولن تعود اليها مظاهر العيد الا إذا عادت لمنزلها المدمر بعد ان يعاد بناؤه.
جولة بسيطة في مراكز الايواء ستجعل اي شخص يشعر بحجم الكارثة التي خلفتها الحرب, وان كان عيد الاضحى مناسبة ليستذكر النازحين بيوتهم ويتحسروا على حالهم فإن فصل الشتاء الذي يطرق الابواب ينذر بوجع اكبر, فالمطر سيجد طريقه بسهوله نحو فراشهم والامهات سيضطررن لاحتضان اطفالهن لتعوضيهم دف بيوتهم المفقود.