علت أصوات تكبيرات العيد في كل بقعة على تراب قطاع غزة، "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" أثارت الشجون والاشتياق للأعياد الماضية "الحقيقية" لعشرات الآلاف ممن فقدوا منازلهم في الحرب على غزة.
ما يزيد عن عشرة آلاف منزل لن يستطيع سكانها الظفر بلحظات العيد الجميلة بين جدرانها، وقد سويت بالأرض فافترش الناس الركام، وذُبحوا مرتين، مرةً حين دُمرت منزلهم، ومرةً حين جاء عيد النحر، ولم تُرَق الدماء التي اعتادوا على رؤيتها في منازلهم.
ولم يعِشْ سكان غزة لحظات عيد الفطر الذي لم يكن سعيدًا عليهم وسط حرب "إسرائيل" الأخيرة على غزة، حتى جاء عيد الأضحى وقد تم وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال، إلا أنّ الآلاف من المدمرة منازلهم سيقضون هذا العيد بين ركام منازلهم.
ووسط أجواء العيد زار مراسل "الرسالة نت"، مناطق مختلفة دُمرت فيها منازل وأحياء بشكل كامل فيها، خصوصًا بلدة خزاعة شرق خانيونس التي تقع جنوبي قطاع غزة والتي أُبيدت عن بكرة أبيها، ليلتقي مع عائلات استقبلت العيد في مشهد مختلف هذا العام.
أين العيد؟
الأربعينية أم أحمد النجار تجلس وسط الركام بجانب منزلهم المدمر - الذي كان يتكون من ثلاثة طوابق - تُلملم جراحها بطريقتها الخاصة، حيث تُجهز غرفة من "نايلون" لقضاء أيام العيد بداخلها هي وعائلتها المكونة من سبعة أشخاص.
وتستحضر أم أحمد في حديثها لـ "الرسالة نت"، أولى الأعياد التي قضتها بين جدران منزل العائلة الذي بُنيَّ من عرق الجبين بصعوبة كبيرة، واصفة أجواء الأعياد السابقة بأنها الأجمل على الإطلاق، "فلا شيء يُضاهي جَمْعة الأحباب والفرحة معهم".
لكنهم هذا العام لم يروا بعد عيدًا جميلًا يُدخل عليهم الفرحة كما المُعتاد، فقد دُمرت المنازل وسوّيت بالأرض، فتقول "ما في أيّ ملامح للعيد، وأبنائي بدهم العيدية والأواعي -ملابس العيد الجديدة-"، مُتسائلًة من أين سيأتي الفرح؟.
ورغم الحال الذي يُدمي العين، إلا أننا وجدنا صبرًا أسطوريًا من الكثيرين ممن أضحوا بلا مأوى منذ الحرب الأخيرة، فأكثرهم آثر إلّا أن يرسم الفرحة على وجوه الأطفال، فهم سيلعبون بين المنازل المدمرة مع شيء قليل من الألعاب الخفيفة التي يُمكن لها أن تُشعرهم بأنهم في عيد حقيقيّ.
العيد فوق الركام
وليس غريبًا أن تجدَ أم أمير التي فقدت طفلها ومنزلهم، تستبق أيّ لحوم قادمة من أهل الخير لتقدمه لمراسل "الرسالة نت"، في مشهدٍ عفويّ يعبر عن مدى كرم وطيبِ عيش هؤلاء البُسطاء الذين أذاقتهم آلة الحرب "الإسرائيلية" الأمرّين.
"كنّا كل عيد نجيب أضحية وأواعي للأولاد، بس العيد هاد ما فيه شيء، أصلًا ما في فرحة عندنا"، هكذا استقبلت أم أمير عيد الأضحى المبارك، في أجواء حزينة بجوار "ما كان يسمى يومًا منزلها".
شقيقة أم أمير قاطعت حديثنا بقولها "العيد على الركام، آه عيدنا هالسنة فوق ركام بيوتنا"، فطفلها الصغير يبكي بغزارة أشبه بالمطر، "الولد بده ألعاب للعيد، ما في أيّ شيء يستحق نسميه عيد"، هذه الكلمات كفيلة بشرح حالة الوجع النفسي والمادي لآلاف استقبلوا عيدهم بشكل جديد.
إذن فالكثيرين من أبناء غزة لم يشهدوا إراقة دماء الأضاحي، فقد تشبّعت أعينهم برؤية إراقة "إسرائيل" لدمائهم ودماء أحبابهم خلال الحرب الأخيرة.
وما أن ينغمس الجميع في ذبح الأضاحي وتمتلئ بيوتٌ بما لذَّ وطاب من اللحوم، وبيوت زُيّنت بالورود، فإن المدمرة بيوتهم ينتظرون من أهلهم وجيرانهم أن يُدخلوا عليهم الفرحة في عيدهم الذي عبرّت قلوبهم قبل شفاههم عنه "بأيّ حال عُدت يا عيدُ".أعلى النموذج