"ألعاب زمان" تراث شعبي يكاد يفقد بريقه

غزة/ كمال عليان

نظرة واحدة إلى الحاج الستيني أبو العبد أحمد، وهو يلعب مع أصدقائه القدامى لعبة "الشطرنج" كفيلة بأن تعيدك إلى زمن الآباء والأجداد، زمن لم نكن فيه، ولكنه غُرس في عقول وقلوب جميع من عايشوه.

فبُعَيد أيامٍ من عودة ابنه عبد الرحمن (30عاما) من رحلة علاج طويلة في مصر، اجتمع الحاج أبو العبد وأصدقاؤه القدامى في "لمّة" بهيجة في منزله، لتشكل مكانا لاسترجاع ذكريات الماضي، وتقليب أحوال أيام زمان.

البُعدُ عن صخب الحياة وبساطتها، وقلة التكاليف، وطيبة قلوبهم وراحة بالهم، كانت من المعاني الرئيسية التي تذكرها المجتمعون في بيت الحاج أبو العبد، ودار الحديث حولها.

"الرسالة" كانت من المجتمعين هناك، لتقلب معهم صفحات الماضي في ألعاب قديمة.

 أيام الطفولة

وما أن بدأ الحاج أبو العبد وأصدقاؤه في شرح بعض الألعاب الشعبية التي كانوا يلعبونها أيام الطفولة في قريتهم، حتى صدحت تعليقات الأقارب، وتعالت الضحكات في سهرة عائلية جميلة.

الحاج أبو العبد استغل سؤال أحد أحفاده عن لعبة " الفنيجلة" وكيفية ممارستها وشروطها، فرصة لإعادة دورة الزمن، عشرات الأعوام إلى الوراء، وممارسة اللعبة مع أبنائه وأبناء أشقائه، ومع باقي شباب العائلة.

وقبل أن يمارسها أوضح أن اللعبة كانت تجمع الأقارب والأصدقاء في القرية الواحدة للعبها، لافتاً إلى أنهم كانوا يلعبونها في بيتهم للتخلص من الوقت الطويل بعد انتهائه من مساعدة والده في حراثة الأرض.

وحول طبيعة اللعبة ذكر الحاج أبو العبد أنها تتكون من ثلاثة فناجين، يخبئ الفريق الأول تحت أحدها علامة، أو أي شيء صغير، وعلى الفريق الثاني أن يكتشف أين خبئت العلامة، وذلك بعد تحريك الأكواب بطريقة عشوائية وسريعة"، منوها إلى أنها تعتمد بشكل كبير على الحظ وقوة الإدراك، على خلاف ألعاب شعبية كثيرة أخرى، برزت في فترة ماضية، واعتمدت على عناصر أخرى تتصل بالجوانب الذكائية والعقلية كالسيجة والطاب وغيرهما.

 سباق الكيس

وبجانبه يجلس الحاج أبو رأفت مبتسما وهو يسمع ذكريات زمان، وحينما انتهى أبو العبد بدأ الحاج أبو رأفت بالحديث حول لعبة قديمة كانوا يلعبونها في الصغر وهي لعبة سباق الكيس "الخيش".

وبابتسامة عابرة شرح طريقة اللعبة المتمثلة في اختيار كل فريق من بينه من يكون قائداً يمثله في الاتفاق على نظام اللعبة، ثم يرسم خطا مستقيماً في الملعب يقف عليه اللاعبون بعد أن يلبس كل كيسه، بحيث تكون الناحية المغلقة من الكيس في القدمين والناحية المفتوحة ناحية الصدر ويمسك باليدين.

ويضيف أبو رأفت :" وعندما تعطى إشارة البداية يقوم الأعضاء في التسابق من نقطة البداية إلى نقطة النهاية في الناحية الأخرى للملعب والعودة"، موضحا أن هناك قواعد للعب وهي أنه لا يحق للشخص المشي دون الكيس، وفي حالة وقوع أحدهم عليه أن يتابع المشي من النقطة التي وقع فيها، وعدم مسك أي منهم الآخر.

 تأصيل الهوية

 بدوره يرى المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض أن إعادة إحياء هذه الألعاب الشعبية يعني "تأصيل هوية المجتمع الفلسطيني"،

ويستعرض المبيض، أشهر الألعاب الشعبية مثل؛ (السيجة) التي اشتق اسمها من السياج؛ كونها تسيّج بأربعة خطوط، وداخل هذه الخطوط حجرات، يتوزعها فريقان، وتوضع لكل فريق في حجراته حجارة، تختلف في لونها عن حجارة الفريق الآخر.

وتسمى الحجارة في التراث الشعبي (جراوة)، وتبدأ اللعبة بالتنافس بين جراوة كل فريق، إذ يتم تحريك الجراوة على مساحة السيجة بخطوات ذكية، ويحرص كل فريق على أن لا تقتل (جراوته).

ويصنف المؤرخ الفلسطيني الألعاب الشعبية ضمن النسيج الاجتماعي الشعبي، كجانب ترفيهي محمولاً على مجمل التجربة الحضارية، داعيا إلى إعادة إحياء الألعاب الشعبية، بمهرجانات وطنية خاصة بها؛ كونها تثري الحالة الذكائية والوجدانية والتعاونية بين الناس.

ويرجع المبيض غياب هذه الألعاب، لوجود بدائل ترفيه وتسلية قوية وتكنولوجية، لم تكن متوفرة سابقاً، رغم أن هذه الألعاب ما تزال متداولة عند كبار السن في بعض البيوت.

 

 

 

 

البث المباشر