قائد الطوفان قائد الطوفان

خان يونس: برك الصرف الصحي تسحق أراضي زراعية

مياه عادمة تسحق الأشجار في منطقة (المواصي) غرب محافظة خانيونس
مياه عادمة تسحق الأشجار في منطقة (المواصي) غرب محافظة خانيونس

مواطنون: المياه العادمة شردتنا من منازلنا وأفقدتنا مصدر رزقنا

خبير مائي: تلوث بالبكتيريا القولونية بمستوى عال جدا في المنطقة

رئيس البلدية: سنحترم القانون إن أقر بحق هؤلاء المواطنين في التعويض

خانيونس-أمين خلف الله-الرسالة نت

رائحة تزكم الأنوف, وسيل مياه عادمة جارف يكتسح الأرض، وحشرات تمحق الأخضر واليابس في المكان.. هكذا قلبت برك مياه الصرف الصحي، موازين الحياة في الأراضي الزراعية التابعة لعائلة المجايدة في منطقة "المواصي" غرب مدينة خانيونس.

أفراد عائلة المجايدة مستائين على ما أحل بهم، في هذه المنطقة التي كانت قبل سنوات قليلة (قبل إقامة برك مجاري مقابل لها) كبستان يغمره الثمر، وقد دفع الحال ببعضهم لهجران المكان.

"الحياة باتت مستحيلة..الوضع أقرب للكارثة" هكذا وصف علي المجايدة ما يحدث في أرضه، عقب إنشاء أربعة برك لتجميع مياه الصرف الصحي، مقابل أكثر من "100 دونم" تمتلكها العائلة.

دمرت كليا

ويقول المزارع المجايدة: "الأرض دمرت بشكل كامل، منذ اللحظة الأولى لإنشاء أول بركة لتجميع مياه المجاري"، لافتا إلى أن أراضيهم الزراعية تقع في منطقة منخفضة جدا وحتما ستتسرب إليها المياه.

وأكد المجايدة أنهم طالبوا الجهات المعنية بوضع حد لهذه الكارثة، وقال: "وعدتنا البلدية بوضع عوازل بلاستيكية، ولكنهم وضعوا طينا كعازل، وبدأت تنبع من الأرض مياه غريبة".

وأشار إلى أن الأمر ازداد سوءا عندما قرر المجلس البلدي الحالي إضافة ثلاث برك أخرى في نفس المنطقة"، مضيفا "رغم ظهور علامات التلوث الواضحة في المكان، إلا إن المجلس أصر على قراره وتم تشييد البرك الثلاث وبعوازل بلاستيكية جزئية وبدأت الكارثة تحل علينا بشكل كبير".

ويشير المزارع المجايدة بإصبعه إلى مستنقعات من المياه العفنة، ويقول: "منسوب المياه المتسربة يصل من 30سم، وحتى100سم، الأمر الذي تسبب في تدمير كافة الأراضي الزراعية في المنطقة، إضافة إلى تدمير 9 آبار جوفية بالكامل ومئات أشجار الجوافة التي لم نستطع حتى الاستفادة من ثمارها الشحيحة جدا".

 وأكد أيضا أنه جرى تدمير 3 حمامات زراعية تعود له، ويقول: "لا يمكنني أن ازرع شيئا في هذه الأرض.. زرعت فلفل وشمام وملوخية وجميعها لم ينجح ..خسائري من الجوافا"المواطن وحدها تقدر بـ 30 ألف شيكل لهذا الموسم فقط".

ويبين المزارع المتضرر، أنه بات يفتقد مصدر رزقه ولم يعد لديه بديل، كما أنهم لم يتلقوا أية تعويضات مقابل ما أحل بأرضهم من خراب.

وقال المجايدة: "بلدية خانيونس عرضت علينا دفن أراضينا، لكن للأسف لم يحدث شيء،" ويضيف "حتى وإن دفنت هذه الأراضي فإن مقدار الخسائر في الأشجار المثمرة والمعمرة الموجودة فيها تصل إلى مئات الألوف من الدولارات، لاسيما  أننا سنضطر لزراعة الأرض مجددا".

ويتابع قوله: "ستبقى المشكلة قائمة ما لم تحل المشكلة الأصلية وهي، نقل برك المجاري من هذه المنطقة".

غير صالحة

ولم تقف الكارثة عند هذا الحد من الخراب، إذ يؤكد المواطن أسعد المجايدة أن المياه لم تعد صالحة للشرب في تلك المنطقة، مشيرا إلى أن "البلدية مددت أنابيب لتوصيل مياه للشرب لكن لم يضخ فيها الماء بعد".

ويلفت المواطن إلى أن البلدية اكتفت بوضع أربع خزانات "مياه شرب" سعة الواحد منها  1000 لتر، تملأ مرة واحدة كل عشرة أيام، متسائلا: "كيف ستكفي هذه الخزانات ما يزيد عن 300 شخص؟.

وأضاف سعيد المجايدة: "قمنا بفحص المياه التي غمرت أراضينا في العديد من المختبرات أبرزها مختبر الجامعة الإسلامية ومختبر الأزهر ومختبر الصحة العام، كما حضر وفد كندي ووفد أخر من الصليب الأحمر، وجميعهم أجمعوا على تلوث المياه في هذه المنطقة.

وقد اضطر الحاج عبد السميع المجايدة لمغادرة بيته هو وأفراد أسرته، بفعل غمر المياه العادمة لبيته، بجانب خمسة بيوت أخريات تعود لأفراد من عائلته.

وأثناء تجوال "الرسالة" داخل أرض الحاج عبد السميع، قال: إن شجر زيتون وتين يزيد عمره عن ثلاثين عاما دمر بالكامل".

ويشير الحاج عبد السميع بيده إلى الأرض ويضيف "هل شاهدتم ديدان بهذه الكثافة ..انظروا إلى البعوض بكمياته المهولة".

ويعبر عن خشيته من انهيار المنطقة بالكامل مع دخول فصل الشتاء، قائلا: "الكارثة ستزداد سوءا مع سقوط الأمطار، وستدمر المزيد من الأراضي وستنتشر المياه الملوثة ليس في ارضنا فحسب بل في كافة الأراضي المحيطة".

كارثة بيئية

من جانبه عزا سبب خبير المياه والتربة، المهندس إبراهيم أحمد، الكارثة التي حلت في أراضى عائلة المجايدة ضغط مياه المجاري المتسربة إلى المياه الجوفية بعد اختلاط المياه الملوثة بها مما أدى إلى ارتفاع  منسوب الماء الأرضي"

وأضاف أحمد "لان أراضي عائلة المجايدة منخفضة  مقابل ارتفاع برك المجاري الأربع التي تقابلها، وقد غمرت هذه الأرضي بالمياه بمناسيب مختلفة".

ولفت إلى وجود عيوب في العوازل البلاستيكية التي وضعت لمنع تسرب المياه المجاري لباطن الأرض، موضحا أن برك مياه الصرف الصحي مقامة في منطقة المحررات، "وهي أفضل المناطق المحتوية على مياه جوفية ذات جودة عالية والأخطر هو ملاصقتها لبئر المياه رقم 12".

وقال خبير المياه والتربة: "التحليلات تؤكد وجود تلوث بمستوى عال جدا بالبكتيريا القولونية وكذلك ارتفاع النترات  إلى نسبة 100 ملغ /لتر متجاوزا الحد الأقصى الذي تسمح فيه منظمة الصحة العالمية وهو 90ملغ /لتر من النترات.

وبين احمد أن البلدية حفرت بئرين للمعالجة بعمق 24 مترا لكل منه في المنطقة الغربية من البرك وذلك لضخ مياه تم معالجتها إلى أراضي مواطنين سيستخدمونها في ري أشجارهم المثمرة وهذا يعمل على تخفيف ضغط المياه المتسربة من البرك على الماء الأرضي الجوفي.

أفضل الأسوأ

"برك

في غضون ذلك قال رئيس بلدية خان يونس محمد الفرا: "مشروع  برك مياه الصرف الصحي هو حل مؤقت بدأه المجلس البلدي السابق وكان خيار "أفضل الأسوأ" في ظل تفاقم مشكلة المجاري في محافظة خان يونس أما نحن في المجلس البلدي الحالي فقد أكملنا المشروع".

وأضاف الفرا نحن متأكدون من وجود تلوث وعلاج هذه المأساة يتم على مرحلتين: حلول جزئية وأخرى نهائية.

وأشار إلى أن الحلول الجزئية، قائمة على وقف تسرب مياه المجاري إلى مزارع عائلة "المجايدة" وأراضي المواصي، "لكن الأمر بحاجة إلى ممول لدفن المنطقة حتى يتمكن المزارعين من زراعة أراضيهم" حسب قوله.

وتابع رئيس بلدية خانيونس قوله: "قمنا بتمديد شبكة مياه لتزويدهم بمياه بالمجان لحين انتهاء الأزمة وحفرنا بئري مياه لتزويدهم بالمياه المطلوبة".

كما بين أن الحلول النهائية تتعلق بتفعيل برك مياه الصرف الصحي في منطقة "صوفا" المعطلة منذ 4 سنوات بسبب الاحتلال، مبينا أن هذه الحلول تحتاج إلي 4 سنوات لإنهاء الأزمة".

وفي معرض رده على عدم تقديم تعويضات للمواطنين المتضررين، قال إنه لا يستطيع أن يتعامل مع منطقة المجايدة كمنطقة منكوبة إلا من خلال إمكانيات البلدية المتواضعة.. وسنحترم القانون إذا أقرت الجهات القضائية بحق هؤلاء المواطنين في التعويض ردا على شكاوى رسمية يتقدمون بها".

في ضوء ذلك تستمر مأساة عائلة المجايدة لحين تطبيق الحلول المناسبة رغم الحصار والإغلاق.

البث المباشر