أطلّ يوم الجمعة بلون أسودٍ داكن يكتسي الحزن والألم، حينما أسدل الخميس ستاره بفاجعة جديدة على وقع نبأ مقتل المحاضر والأكاديمي الدكتور في جامعة الأقصى أحمد المصري، غدرًا على يد لصوص اقتحموا منزله بدير البلح وسط قطاع غزة.
ساعة من الزمن كانت فارقة بين الحياة وبشاعة الموت، حينما استلّ الغدر سيفه ليطعن رجلًا ستينيًا في منزله ويخنقه حتى الموت، غير آبه بكل نداءات الاستغاثة والرحمة أمام مشهد ومرأى من زوجته الشاهد الوحيد على هذه الجريمة.
مشاهد قاسية ومرعبة ترويها زوجته لـ"الرسالة نت" التي توجهت لمعاينة مسرح الجريمة، حيث لا زالت دماء المغدور على كنب إحدى غرف المنزل التي وقعت فيه الجريمة، في واقعةٍ جسّدت قسوة بعض البشر ممن انتزعت الرحمة من قلوبهم.
الجريمة التي بدأت في غضون الساعة السابعة والنصف من مساء ليلة الخميس، بعد عودة المغدور من أداء صلاة العشاء في المسجد القريب من منزله، حيث باغته ثلاثة لصوص ملثمون في فناء منزله القريب من الأرض، بينما قيّدوا زوجته على الفور كي لا تصدر نداءات الاستغاثة.
تقول أم محمد إن الجريمة حدثت على مشارف غرفة الضيوف التي تبعد حوالي 10 أمتار عن باب المنزل، حيث باغت ثلاثة من القتلة الدكتور وأبرحوه ضربًا قبل أن ينقلوه إلى داخل الغرفة ليكملوا ضربه وتعذيبه بغرض الحصول على مستندات وأوراق وأموال بحوزته.
هنا بدأوا باستجوابه حول أمواله الخاصة التي بحوزته وقضايا أخرى تتحفظ "الرسالة نت" عن نشرها لأسباب تتعلق بمقتضيات التحقيق الجنائي، وضربوه على رأسه بالعصا، بشهادة زوجته، ومن ثم أجهزوا عليه بالخنق كما أفاد بذلك التقرير الطبي الصادر عن وزارة الصحة.
ولم يكتف القتلة بذلك، بل ذهبوا لسرقة أمواله الخاصة ومصاغ زوجته بالإضافة لجهاز حاسوبه الشخصي والهواتف النقالة.
كان أبو محمد يستغيث بهم بأن يتركوه مقابل أن يعطيهم ما يريدون، وهي الأخرى باتت تناشدهم بالأمر ذاته، غير أن عصاهم الغليظة وأيديهم الملطخة بالدم والعار كانت أقوى من نداءات الاستغاثة.
وتضيف أم محمد: "بعد إجهازهم على زوجي وخنقه، ذهبوا إلى الغرفة المجاورة بغرض السرقة، قبل أن يرحلوا ويغادروا مسرح الجريمة".
وحاولت زوجته أن تتخلص من قيود معصميها وقدميها وعصبة عينيها، حيث نجحت بالتماس طريقها نحو المطبخ وأحضرت سكينًا فكّت من خلالها العصبة عن عينيها ومن ثم نجحت في فك العصبة عن يديها، لتذهب إلى منزل شقيق زوجها تستغيث بهم كي يسعفوا المغدور.
الشارع الذي يقطن فيه الرجل كان خاليًا من الجميع، فلم يسمع أحد صوت استغاثات أم محمد، بحسب ما تروي لـ "الرسالة نت".
بقية القصة يرويها أحد أقارب زوجها الذي قال إن عائلة شقيقه هبّت على الفور نحو المنزل وقد وجدته ملقىً على الأرض ومضرجًا بدمائه في غرفة الضيافة، وشرع أبن أخيه بجس نبضه ليجده قد فارق الحياة.
وذكر بأن النيابة العامة حضرت على الفور وشرعت بالتحقيق في مقتله، وأمرت بنقل الجثة إلى مدينة غزة لرصد تقرير طبي حول ملابسات جريمة مقتله، حيث أكدّ التقرير وفاته خنقًا وتعرضه للضرب المبرح.
جريمة أنهت حياة المحاضر والأكاديمي بقسم اللغة العربية في جامعة الأقصى، الدكتور أحمد المصري، إلا أنها لن تمحي فصول حياةٍ مفعمةٍ بالعطاء والتميز، تحلّى بهما على مدار سنوات مسيرته التعليمية بالجامعة، والتي امتدت لنحو ثلاثة عقود كما تقول زوجته.
فكما فجعت عائلته بنبأ مقتله كان الخبر يدوّي صداه في أرجاء منطقة دير البلح وسط القطاع مسقط رأسه، بل تجاوز أرجاء القطاع، لا سيما ممن عرفوه وعايشوه.
وفور إعلان نبأ استشهاده أعلنت كلاً من الشرطة الفلسطينية والنيابة العامة، مباشرة التحقيق في ملابسات الجريمة، فيما أكدّ المقدم أيمن البطنيجي المتحدث باسم الشرطة، أن هذه الجريمة لن تمر مرور الكرام، متوعدًا بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن الغزيين.
وذكر بأن مثل هذه الجرائم هي أمر عابر وتحدث في مجمل دول العالم، مشددًا على أنها لن تكون سمة بارزة في قطاع غزة، رغم ما يعانيه من أهوال سياسية ومجتمعية.