تقديرات إسرائيليّة: الأنظمة العربية المعتدلة ستعزّز علاقاتها بنا

كتب/ صالح النعامي

تبدو النخب الإسرائيلية، لا سيما تلك المرتبطة بدوائر صنع القرار في تل أبيب، مرتاحة إلى أن نظم الحكم العربية "المعتدلة"، ستبدي حرصاً على توثيق علاقاتها العلنية والسرية مع إسرائيل، على الرغم من الخوف من تعاظم تأثير المقاطعة الدولية وتراجع المكانة العالمية بسبب الانتقادات التي تُوجّه لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية.

ورأى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الجنرال يعكوف عامي درور، أن الدول العربية "المعتدلة" ستواصل مستقبلاً تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، على اعتبار أنها ترى في هذا التوجّه مصدراً للتعويض عمّا فقدته وستفقده لاحقاً من تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، وزهد الإدارة الأميركية بالتدخل في شؤونها.

وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، الأحد الماضي، أوضح درور أن مكانة العالم العربي تراجعت كثيراً لدى الولايات المتحدة في أعقاب النجاح "الهائل" الذي حقّقه الأميركيون في مجال استخراج الغاز والنفط الصخري، وهو ما قلّص الحاجة الأميركية لمصادر الطاقة التي ينتجها العرب.

ووفق منطق درور، الذي سبق أن شغل منصب قائد لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، فإن الدول العربية باتت تدرك أنه ليس بوسعها الاعتماد على الأميركيين في مواجهة البرنامج النووي الإيراني و"التغوّل الشيعي" وخطر التنظيمات "الإرهابية السنيّة"، ما يجعلها في حاجة إلى دعم طرف يواجه خارطة المخاوف ذاتها، ألا وهي إسرائيل.

وجزم درور بأنه في حال فشلت الدول العربية المصدّرة للنفط في احتواء جهود الولايات المتحدة الهادفة للتحوّل إلى دولة مصدّرة للنفط والغاز الصخري، فإن حاجتها للتعاون والتنسيق مع إسرائيل ستتعاظم، لأن هذا الواقع سيزيد من حماس الأميركيين لهجر منطقة الشرق الأوسط.

ورأى درور أن إصرار الدول العربية على زيادة إنتاج النفط إلى الحد الذي أدى إلى انهيار أسعاره، كما حدث أخيراً، إنما جاء لتقليص قدرة الولايات المتحدة على فرض النفط والغاز الصخري كمصدر للطاقة في العالم بدل النفط الذي تصدّره دول "أوبك".

"

فريدمان: الأردن ومصر يريدان توجيه رسالة أنهما لا يتأثران بالمواقف المعارضة لتعزيز العلاقة مع إسرائيل

"

لكن ممّا لا شك فيه أن أكثر ما يعني النخب الإسرائيلية هو مستقبل العلاقة مع نظامي الحكم في كل من مصر والأردن، على اعتبار أن هذه العلاقة تمثّل عنصراً أساسياً من "الأمن القومي" الإسرائيلي.

ولا يبدو الباحث الإسرائيلي البارز، رون فريدمان، مطمئناً فقط إلى مستقبل هذه العلاقات، بل إنه رأى أن نظامي الحكم في القاهرة وعمان يذهبان بعيداً جداً في حرصهما على تعزيز العلاقة مع تل أبيب.

وفي مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" أخيراً، أشار فريدمان إلى أن الحكومتين المصرية والأردنية قد أصرتا على استيراد الغاز الإسرائيلي، على الرغم من المعارضة الشعبية العارمة في البلدين لهذه الخطوة.

فريدمان، الذي يرأس دائرة الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب، اعتبر أن نظامي الحكم في كل من عمان والقاهرة يريدان توجيه رسالة مفادها أنهما لا يتأثران بالرأي العام الداخلي وبمواقف القوى السياسية المعارضة لتعزيز العلاقة مع تل أبيب، كما يعتبران أن نجاحهما في تمرير صفقة الغاز مع إسرائيل "اختبار لقوتهما في مواجهة القوى المعارضة".

ولفت فريدمان إلى أن قرار الأردن ومصر جاء في ظل ميل الاتحاد الأوروبي الواضح لفرض مقاطعة محدودة على إسرائيل، احتجاجاً على سياساتها تجاه الفلسطينيين. ولم يستبعد أن تُقدِم المزيد من الدول العربية على التوقيع على صفقات مع إسرائيل لاستيراد الغاز، مشدداً على أنه ستكون هناك تداعيات استراتيجية لتطبيق هاتين الصفقتين.

وأشار الباحث الإسرائيلي إلى أن الأردن قرر استيراد الغاز من إسرائيل على الرغم من المعارضة القوية في البرلمان والشارع الأردني، ومن مطالبة النخب الأردنية باستيراد الغاز من دول عربية، فيما اعتبر أن دلالات استيراد مصر الغاز الإسرائيلي أعمق، على اعتبار أن القاهرة تستورد الغاز الإسرائيلي بشروط أصعب بكثير من الشروط التي كانت تستورد إسرائيل على أساسها الغاز المصري.

ولفت إلى أن إسرائيل كانت تستورد الغاز بأسعار متدنية وفي ظل تسهيلات كبيرة، في حين أن إسرائيل لم تقدّم أي تسهيلات لمصر، سواء في قيمة أسعار الغاز، أو في شروط تسديد ثمنه. لكن ممّا لا شك فيه أن الحرص على تعزيز العلاقات مع النظام المصري هو أكثر ما يهم إسرائيل في هذه الآونة.

من جهته، نقل الصحافي الإسرائيلي أساف جيبور، عن محافل عسكرية إسرائيلية، قولها إن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر شهد تطوراً غير مسبوق مع وصول الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، علاوة على أن الاستراتيجية التي ينتهجها النظام المصري في سيناء تتلاءم مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل.

وفي تقرير نشرته صحيفة "ميكور ريشون"، أشار جيبور إلى أن أكبر خطوة أقدم عليها السيسي واستفادت منها إسرائيل، تمثّلت في إغلاق الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة.

ونقل جيبور عن المحافل العسكرية قولها إن إدراك إسرائيل لعمق كراهية السيسي لحركة "حماس"، جعل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يقبل بدور القاهرة المركزي في تحديد الشروط التي على أساسها توقفت الحرب الأخيرة على غزة.

لكن رئيس "منتدى الشرق الأوسط الحكيم"، إيلي أفيدار، حذر من التسليم بكل خطوة يُقدم عليها السيسي. وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، رأى أفيدار أنه "يتوجب دعم السيسي عندما يُقدم على محاربة الإرهاب، كما يتوجب التصدي له عندما يُقدم على خطوات لا تنسجم مع المصالح الإسرائيلية، كالتقارب مع دولة مثل قطر".

البث المباشر