لا يزال في مساره

ممارسة التنسيق الأمني مع الاحتلال أضحى مُجرّمًا

التنسيق الأمني في الضفة المحتلة
التنسيق الأمني في الضفة المحتلة

الرسالة نت - رامي خريس

أثار قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال تساؤلات كثيرة عن تغير سلوك السلطة الفلسطينية إزاء الاحتلال الاسرائيلي، وامكانية خروج القطار الذي تسير فيه عن مساره، وانقسم السياسيون بين مهولٍ ومهوّن لأهمية القرار الذي استخدم المعلقون عليه الكلمات المتضادة "مهم" و"غير مهم"، "ملزم" و"غير ملزم"، بينما الأمر يحمل في طياته أبعادا ودلالات مختلفة.

وبعيداً عن الأطر القانونية التي تحكم علاقة "المجلس المركزي" و"المجلس الوطني" و"منظمة التحرير" بـ"السلطة الفلسطينية" ورئيسها، فإن أمر تنفيذ قرار وقف التنسيق الأمني يبدو مستبعداً؛ بل ربما يكون ضربًا من الخيال، فالمهمة الأساسية للسلطة في الضفة ممارسة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وذلك لضمان بقائها والمحافظة على الاقطاعيات الأمنية والمصالح الذاتية لقادة أمنيين وسياسيين في السلطة، وكان رئيسها محمود عباس قد قال في وقت سابق أن "التنسيق الأمني مقدس"، وهكذا يبدو أن شيئاً يحوز هذه الأهمية لدى قيادة السلطة لا يمكن أن تستغني عنه بسهولة.

ومع ذلك تبقى التساؤلات حاضرة عن دوافع تمرير هذا القرار من "المجلس المركزي" الذي تهيمن عليه حركة فتح، ويبدو ذلك لعدة أهداف، قد يكون من بينها التلويح للاحتلال بامتلاك خيارات أو أوراق ضغط خاصة بعد وقف تحويل عائدات الضرائب من حكومة الاحتلال لخزينة السلطة، ومع ذلك لا يبدو أن هذا الأمر سيؤدي إلى أي نتيجة فالسلطة التي لا تزال تتمسك بخيار المفاوضات التي أكد رئيسها أنها مستعدة للعودة له لن تقدم على أي خطوة سيكون من شأنها تصعيد الحالة مع الاحتلال خاصة بعد تأكيد عباس خلال افتتاحية دورة المجلس المركزي الأخيرة أنه يتمسك بالمقاومة السلمية "اللاعنفية"، فضلاً عن حاجة السلطة نفسها للتنسيق الأمني وهو أكده قادة الاحتلال مراراً بأن الجهود المشتركة هي التي تحافظ على وجود السلطة في الضفة الغربية بل ذهب وزير الجيش الاسرائيلي "موشية يعالون" إلى أكثر من ذلك عندما قال إنه لا يتوقع أن تتخذ السلطة قرارا بوقف التنسيق الأمني لأن هذا يتناقض مع مصالحهم.

الهدف الثاني الذي قد تتطلع إليه قيادة السلطة هو ترك الباب لتفريغ مشاعر الاحباط والغضب عن عموم الفلسطينيين وبعض قادة الفصائل الذين عبروا عن سخطهم من مواقف السلطة ومطالبتهم صراحة بوقف التنسيق الأمني وجاء مطلباً في الكلمة الرئيسية للجبهة الشعبية خلال اجتماعات المجلس المركزي.

ومع أن المعطيات كافة تشير إلى عجز السلطة عن تنفيذ القرار بوقف التنسيق الأمني أو بالأحرى عدم وجود رغبة حقيقية لديها، فإن صدور القرار من المجلس المركزي بحد ذاته يعتبر مهماً في نظر العديد من المراقبين، فالقرار صادر عن إطار قيادي هام من أطر منظمة التحرير الفلسطينية وهو المجلس المركزي -بالرغم من تحفظات كثيرة من قطاع عريض من الفلسطينيين علي أدائه- وبذلك يرفع هذا القرار أي شرعية عن ممارسات (الاقطاعيات الأمنية) في إطار التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومع مرور الوقت سيترسخ في أذهان الفلسطينيين أن إجماعاً فلسطينياً يرفض التنسيق الأمني واتخذ قراراً بذلك، وفي اللحظة التي يجري فيها ضبط ممارسة أمنية لأجهزة السلطة مع جيش الاحتلال ومخابراته، لن تستطيع حينها قيادات السلطة أن تجد أي مبرر لذلك، تستطيع تسويقه لدى الجمهور الفلسطيني الغاضب.

البث المباشر