لم يدر في خلده يوما أن تجتمع فصول حياته ليكون بطلا تاريخيا، كما لم يتوقع أحد لقلب عشق مقاومة المحتل وترجمت يديه ذاك العشق لصناعة العبوات الناسفة وتفجيرها في قلب (اسرائيل)، أن يجيد العشق العاطفي فيتفنن في صنع المفاجآت الرومانسية لفتاة تعلق قلبها به مذ كان اسمه يملئ شاشات التلفزة، لتقرر بعدها "الارتباط المجنون" به كما يصفه من حولها.
حسن سلامة (44 عاما) والملقب بـ "بطل عملية الثأر المقدس"، اعتقل عام 1996 وهو الاعتقال الرابع له بعد تاريخ حافل من مطاردة الاحتلال له، حيث اتهم بالتخطيط لثلاث عمليات استشهادية خلّفت 46 قتيلًا إسرائيليًا وإصابة العشرات، وحُكمَ عليه 48 مؤبدًا وعشرين عامًا.
"عشت سنوات كثيرة داخل زنازين العزل الانفرادي، والتي تطلبت مني التعامل بنفسية مختلفة كوني أعيش وحيدا"، يقول حسن، والذي لم يتوقع في يوم من الأيام أن يحقق حلم الارتباط بفتاة، لا سيما وأنه محكوم مدى الحياة.
بعد عشرين عاما من سجنه، وبينما هو يتقلب حيرة وقلقا في زنزانته الضيقة ويترقب خبرا يبشره بقرب الافراج عنه في صفقة تبادل الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط بين المقاومة و(اسرائيل)، ومع أحلك ظروف حياته وأشدها ألما ومعاناة، باغتته رسالة من الاسيرة أحلام التميمي عبر المحامية التي تعتبر حلقة الوصل بينه وبين العالم الخارجي ولا يراها سوى كل بضعة أشهر مرة.
ويضيف الأسير سلامة "توقعت ان تكون الرسالة متعلقة بشؤون المعزولين كون أحلام مسئولة ملف المعزولين، وكنا حينها نعيش فترة المفاوضات على الجندي شاليط، وكنت أظن أن اسمي مدرج فيها"، مستدركا: " لكن نص الرسالة ـخبرني بأمنية تراود أحلام وهي أن تختار لي شريكة حياتي، فأمثالي يجب أن يكون زواجهم غير تقليدي كما تقول".
فأحلام كانت مرتبطة وهي في سجنها بابن عمها الأسير نزار البرغوثي، وأفرج عنهما في صفقة التبادل، فكسر حلم زواجهما حاجز المستحيل، وعلى ذات الطريقة أرادت أحلام رسم حلم الزواج لحسن، "لم أمانع وعبرت عن اعتزازي بطلبها، وتوقعت أن تختارها لي بعد الافراج عنا" يُعبر حسن بالقول.
لكن ما لم يتوقعه حصل، حيث تقول خطيبته الأسيرة المحررة غفران زامل "أخبرت أحلام عن سر خبأته في قلبي، مفاده أني أتمنى الارتباط بحسن" ، فما كان من أحلام إلا أن تربط قلب رفيقتها مع قلب الأسير المحكوم مدى الحياة.
تعددت الرسائل بين أحلام وحسن، وبعد جولات من المفاوضات الشاقة بينهما حول مصير فتاة قررت تحد المستحيل بالارتباط به، "لا مانع لدي من الارتباط داخل السجن بشرط ان نعطي انفسنا فترة زمنية لمدة سنة أو اكثر قليلا ان تم الافراج عني خلال هذه الفترات نكمل هذا الارتباط، وان قدر الله وطال هذا الامر هي في حل من أمرها لأنني لا اريد أن أظلمها" كان هذا نص الرسالة المرسلة من حسن الى أحلام.
دقت طبول الأفراح داخل سجن غفران، ايذانا ببدء معركة من الحب فارسها أتقن من قبل هندسة المتفجرات والعبوات الناسفة، لكن يا ترى هل سيتقن هندسة الحب في المعركة الجديدة؟
قبل الاجابة على السؤال، بعد رسالة الموافقة تكاثرت الحيرة في صدر حسن، وبدأت التساؤلات حول المستقبل المجهول تتردد عليه باستمرار، وكان التحد الأكبر يتمثل في اخبار أهله عن الأمر، والذين ظنوا أن عزله قد أثر على عقله حين علموا بالخبر عبر رسالة أرسلها لهم من خلال الصليب الأحمر.
قُرأت الفاتحة، بعد اصرار ومحاولات اقناع خاضتها غفران مع أهلها بعد الافراج عنها، لكن الحادثة الأغرب والأطرف كانت بعد عودة حسن من المحكمة بساعات قليلة، حين عَلِم بـ "عقد قرانه" عبر الاذاعة التي يصل بثها الى داخل السجون، فكانت اللحظة الأولى التي يتذوق فيها حسن مذاق الحب والفرح معا.
تقول غفران: "لم التق بحسن لأنني ممنوعة من الزيارة لأسباب أمنية، لكنني تمكنت من رؤيته من خلال الاجهزة الخليوية المهربة بالسجون عبر اتصال مرئي وكانت المرة الاولى بعد خروجه من زنازين العزل الانفرادي"، وكان التواصل بينهما خلال العزل عبر رسائل البريد والاذاعات.
"لم يكن حسن يشرب القهوة من قبل، لكنه وبعد معرفته بحبي الشديد لها، عوّد نفسه على شربها، حتى انه كان يحليها بالعسل وأحيانا يضع فيها قطعة حلوى"، تتحدث غفران، وبعد تنهيدة عميقة تلتها ابتسامة عريضة تتابع قائلة: "سنفرح كما رسمنا لفرحنا في حضن غزة، ونغازل البحر كل صباح".
لم يتابع حسن من قبل قصص العاشقين، ولم يشاهد أفلام الحب، لكن فطرته قادته الى صنع مواقف لا تخطر على بال أحد، فعند كل ذكرى ميلاد لغفران تجده حاضرا بهداياه ومفاجآته، وداخل أسوار جامعتها يلقي بظلاله فيها، فيصنع مفاجأة داخل قاعة المحاضرة، تقول غفران.
فخطيبها لا يتوانى عن متابعة آخر ما توصلت اليها الاجهزة المحمولة فيهدي أحدثها لمحبوبته، وفيض من الهدايا بعضها من نسج يديه وبعضها الآخر يوصي على تصميمها من وحي خياله، ليتقن فن اصطياد المفاجآت من وسط شبك السجن والذي يخبره بقدوم شمس تتسلل اليه كل صباح بعد ظلمة ليل حالك.