مرّ ثمانية شهور على انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ولا تزال حالة الركود تخيم على عملية إعادة الإعمار، بسبب الحصار الإسرائيلي الشديد على غزة، وإدخال كميات قليلة جدا من مواد البناء لا تكفي حتى لترميم البيوت المدمرة جزئيا فكيف المهدمة كليا؟
والحصار الإسرائيلي على القطاع غير مقتصر على المدة المذكورة آنفا، وإنما هو حصار مطبق منذ ثماني سنوات، لا تسمح فيه سلطات الاحتلال الا بدخول كميات قليلة جدا من مواد البناء والإعمار (الحديد، الاسمنت)، وتمنع ذلك وقتما تريد دون أسباب واضحة للمنع، وإن كان جل ما سمحت بإدخاله كان للمشاريع الدولية والقطرية التي تنفذ في غزة.
وفي دراسة تناولت أوضاع قطاع غزة، خلال سنوات الحصار "الإسرائيلي" المفروض منذ صيف العام 2007، قالت إن الحصار الإسرائيلي وعدم دخول معظم المواد الخام أدى إلى إيقاف حوالي 90% من المشاريع التي كانت تديرها المنشآت الصناعية، وفقْد أكثر من 75000 موظف يعيلون حوالي نصف مليون شخص لوظائفهم منذ عام 2007.
وفاقمت الحرب التي شنتها "إسرائيل" صيف العام الماضي، من المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، وبحسب المرصد فإن الفترة التي سوف يحتاجها القطاع لإعادة إعماره تقدر بثلاثة وعشرين عاما، إذا ما استمر الوضع كما هو عليه الآن من إغلاق للمعابر وفرض قيود على المواد اللازمة لإعادة بناء المباني المدمرة.
وتعهدت دول عربية ودولية في تشرين الأول الماضي بتقديم نحو 5.4 مليار دولار أمريكي، نصفها تقريبا سيخصص لإعمار غزة، فيما سيصرف النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير أن إعمار القطاع، وترميم آثار ما خلّفته الحرب الأخيرة، لم يبدأ بعد.
فك الحصار
فيما أكد المرصد الأورومتوسطي أن الدول الأوروبية تتحمل "المسؤولية الأخلاقية والقانونية، في كسر الحصار الإسرائيلي الخانق، وعليها أن تبذل جميع الجهود، في إنقاذ قطاع غزة من خلال افتتاح ممر مائي، في ظل إغلاق كافة المنافذ والمعابر خاصة معبر رفح الحدودي".
وفي ذات السياق، اعتبر المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان، أن قطاع غزة بحاجة لتدخل المجتمع الدولي حتى ينهي الحصار ويضغط على الاحتلال للسماح بحرية تنقل البضائع والافراد من وإلى القطاع، داعيا إلى ضرورة بناء الميناء والمطار لفك الحصار وامتصاص العمالة في تنفيذ هذه المشاريع.
وقال أبو رمضان في حديثه لـ"الرسالة"، إن ما يعطل عملية الاعمار الاستمرار بما تسمى آلية سيري لإدخال مواد البناء، لافتا إلى أن استمرارها لن يقدم من عملية الاعمار بل ستتراجع، وطالب بمراجعة هذه الالية والغائها إن أمكن حتى تنفذ علمية اعادة الاعمار.
وفي ظل الحديث عن دور المنظمات الدولية في فك الحصار، رأت منظمة الأمم المتحدة أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة مرهونة بفك الحصار المفروض عن مواد الإعمار والمواد الأساسية.
وقال الممثل الخاص للمدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP"، فروديه مورينغ، خلال مؤتمر صحفي عُقد بغزة، "الحال في غزة الآن مختلف، وبعد الحروب السابقة كانت الأنفاق متوفرة وتسهل عملية إدخال المواد وإعادة الإعمار، لكن الآن لا حل إلا بفك الحصار المفروض على المواد الأساسية".
وأضاف مورينغ: "إننا نتفهم حالة القلق الناتجة عن التقدم البطيء لملف الإعمار، لأنه يجب أن يتم بشكل أسرع، ونحن نبذل ما بوسعنا للقيام بذلك"، مؤكدا في الوقت ذاته أن حكومة التوافق هي المسؤولة عن إعمار قطاع غزة، وأن دور المؤسسات الدولية هو تكميلي وتعاوني.
وتابع: "لا نتحدث عن الإعمار من خلال الأموال فقط، إنما أيضا نستغل عمليات الإعمار من أجل خلق فرص عمل لآلاف العاطلين في قطاع غزة"، موضحًا أن عمليات إزالة الركام خلقت مشاريع عمل لأكثر من 2000 عاملٍ حتى اللحظة. مبينا أن برنامج "UNDP" يأمل وبحلول نهاية العام الجاري، توفير فرصة عمل لما يقارب 25 ألف عامل.
وبالعودة إلى المحلل الاقتصادي أبو رمضان، اعتبر أن الحصار الإسرائيلي جمّد العملية الاقتصادية والتنموية في قطاع غزة من خلال عدم ادخال مواد البناء والاعمار، لافتا إلى أن قطاع غزة بحاجة إلى عملية اعمار منتظمة للزيادة التلقائية في عدد السكان كل عام عن سابقه.
وتطرق للحروب الثلاثة التي تعرض لها قطاع غزة، ودمر خلالها الاحتلال الإسرائيلي البنية التحتية وشرد آلاف العائلات بالإضافة إلى الخسائر الهائلة التي تعرض لها القطاعين الزراعي والصناعي، مبينا أن كل ذلك خلق حالة كارثية لقطاع غزة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، "يجب معالجتها بأسرع وقت ممكن".