تتراجع السلطة تدريجيا عن خيار المصالحة بقدر قربها من الوصول لتفاهمات دولية تمهد الطريق أمام استئناف المفاوضات مع الاحتلال، أو ضمان التمويل بصفته مرتكزا اساسيا تقوم عليه هذه المؤسسة.
ويتضح أن الابتعاد عن المصالحة بالنسبة لرئيس السلطة محمود عباس، هو نتاج جملة من الأفكار السياسية التي تدور في رأس الرجل الملبد شعره بالشيب، واحدة منها متعلقة بمحاولة لي ذراع (اسرائيل) عبر التلويح بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لأجل محاكمة الأخيرة على ما اقترفته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني.
في المقابل ترى شرائح واسعة من الكتاب والمفكرينالسلطى السياسيين أن خطوة كهذه لا يمكن أن تكبح جماح (اسرائيل) أو تدفعها باتجاه تحقيق تسوية وفقا لرغبة (أبو مازن) والمجتمع الدولي. غير أن رئيس السلطة مازال مقتنعا بأن الابتعاد عن ملف المصالحة خطوة تقربه خطوات من الغرب، وذلك هو التفسير الوحيد لتراجعه عن استكمال هذا الملف، كما قالوا.
فضلا عن أن اقتصاديين اشاروا خلال حديث لـ"الرسالة" أن السلطة تستفيد بشكل كبير من أموال المقاصة التي تجبيها من قطاع غزة والتي تبلغ قيمتها (965 مليون $) سنويا، دون أن تضطر لدفع رواتب موظفي غزة (45 ألف)، مؤكدين أن استكمال ملف المصالحة يعني بالنسبة لها القبول بفكرة منح الموظفين رواتبهم وهو أمر يرفضه ابو مازن قطعا.
وعليه يتضح أن السلطة تتخذ قطاع غزة "بقرة حلوبا" تجبي منها المال لصالح خزينتها، من دون الاضطرار للإنفاق عليها، علما أن قيمة ما تحوز عليه السلطة من أموال يمكنها من تغطية النفقات التشغيلية للوزارات ودفع رواتب موظفي القطاع، وفق ما قاله الاقتصاديون.
إزاء هذه الحالة وجه القيادي في حركة فتح سفيان أبو زايدة نقدا إلى حكومة التوافق قائلا إنها لم تحدث أي تغيير في الحالة الفلسطينية، وفشلت في فك الحصار عن غزة واعادة الاعمار ولم يتبق منها إلى الاسم فقط.
وعليه أكد أبو زايدة أنه من الضرورة بمكان الرجوع إلى صندوق الانتخابات لأجل انهاء هذه الحالة التي يعيشها الفلسطينيون، مشددا على أن تعطيل اجراء الانتخابات يعود الى عوامل داخلية فلسطينية.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح عبد الستار قاسم، فيرى أن السلطة الفلسطينية ليست معنية بنجاح أي وساطة جديدة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح".
وقال قاسم إن السلطة الفلسطينية لا تريد المصالحة وليست معنية بها ولا تعمل من أجل الوحدة، لأن من شأن تحقيق المصالحة أن يؤثر على حظوظ ومصالح النافذين في السلطة الآن، وهذا ما يفسر عدم إقدام السلطة على إصلاح منظمة التحرير أو دفع رواتب الموظفين أو الانتخابات"
وأوضح أن السلطة لا تلتزم بتعهداتها، ثم أن أي اتفاق مصالحة سيخرب علاقات محمود عباس مع (إسرائيل)، وهذا ما لا يمكن أن يقدم عليه "أبو مازن" الذي يريد للشعب الفلسطيني أن يبقى مطية لمصالحه ومصالح الفئات النافذة في السلطة ومصالح الاحتلال".
وأمام هذه الرؤية، قدم الكاتب نائل أبو مروان حلا، قال انه الأفضل لإنهاء الحالة القائمة، يتمثل في اعطاء المصالحة الفلسطينية أولوية وتقديمها على المصالح الفئوية والشخصية، واستكمال ملفاتها بما في ذلك اشراك الكل الفلسطيني في المجلس الوطني، وتفعيل منظمة التحرير لأجل مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.