أزمة الصواريخ السورية ..إنذار مبكر للمواجهة المقبلة

غزة-الرسالة نت

يوم الثلاثاء الماضي، حدثت ضجة في صفوف المسؤولين في دمشق وواشنطن في أعقاب إدعاء وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك بأن سوريا تزود «حزب الله» اللبنانية بصواريخ "سكود"، والتي بسبب دقتها ومداها تهدد المدن الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى.

على الرغم من قيام النظام السوري بنفي ذلك الإدعاء بشدة، الا أن الإنذار الإسرائيلي يهدد بإشعال حرب جديدة بين "إسرائيل" وأعدائها في المنطقة، في الوقت الذي يقوض بصورة أكثر جهود الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتعاطي مع سوريا.

إن عملية نقل الصواريخ المزعومة تلوح الآن فوق سير عملية التصديق التي يقوم بها مجلس الشيوخ الأمريكي لتعيين روبرت فورد سفيراً في سوريا والذي من المقرر أن يكون أول مبعوث لواشنطن في دمشق خلال فترة زادت عن خمس سنوات، وذلك وفقاً لتوصية الرئيس أوباما.

قرار الرئيس السوري بشار الأسد على ما يبدو بنقل أسلحة أكثر دقة وذات مدى أبعد إلى «حزب الله» هو تطور مثبط للهمم بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، الذين كانوا يأملون بأن الإنفتاح الدبلوماسي الذي يقوم به أوباما من شأنه أن يؤدي إلى قيام النظام السوري باتباع سلوك معتدل.

وفي حين تقوم دمشق بتسليح حليفها اللبناني بمجموعة من الأسلحة المتطورة بصورة متزايدة، يتم التشكك على نحو أكبر بمصداقية سوريا كشريك للسلام مع إسرائيل.

تدفق الأسلحة من سوريا إلى لبنان مستمر منذ عقود. ومع ذلك، أشارت التقارير في الأشهر الأخيرة، بأن التطور التقني لمنظومات الأسلحة المقدمة لـ «حزب الله» قد ازداد بصورة كبيرة. فقد ذكرت المجلة البريطانية للشؤون العسكرية "جينز ديفينس ويكلي" في تشرين الأول/أكتوبر 2009، بأن سوريا قامت بتزويد «حزب الله» بصواريخ "أم-600"، وهي نسخة سورية من صواريخ "فتح 110" الإيرانية، التي بإمكان نظام توجيهها الأولي أن ينقل حمولة وزنها 500 كيلوغرام وإلى أهداف تبعد مسافة 250 كم.

وفي أوائل آذار/مارس المنصرم، أبلغ الجنرال يوسي بيداتز رئيس دائرة الأبحاث في قسم الإستخبارات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي، لجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للبرلمان الإسرائيلي، الكنيست، أن سوريا زودت مؤخراً «حزب الله» بمنظومات دفاع جوي محمولة من طراز "إيغلا – إس". وبإمكان هذه الصواريخ التي تطلق من الكتف إسقاط الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، وطائرات الهليكوبتر، والطائرات المقاتلة التي تحلق على ارتفاع منخفض والتي تقوم بطلعات جوية بشكل روتيني فوق لبنان لجمع معلومات استخباراتية.

وقد أفادت التقارير مرة أخرى عن زيادة نقل الأسلحة في أعقاب الجلسة التي عقدها الكونغرس في 16 آذار/مارس لسماع شهادة ترشيح السفير المعين فورد. وانتشرت شائعات في مبنى "الكابيتول هيل" بأن سوريا قد سلمت صواريخ "سكود-دي" إلى لبنان.

 إلا أن هذه التقارير لم تحدد فيما إذا كانت تلك الصواريخ روسية الصنع من طراز "سكود-دي" أو نسخ سورية منها والتي هي أيضاً من طراز "سكود-دي"، ولكنها إصدارات محسنة من الطرازات القديمة لصواريخ "سكود" التي أفادت الأنباء بأن سوريا بدأت تصنعها بكميات كبيرة خلال العام الماضي. ولكلا النوعين من هذه الصواريخ مدى يصل إلى 700 كم، وهذا يعني أن بإمكانها أن تصيب معظم، إن لم يكن جميع، المدن الإسرائيلية حتى لو تم إطلاقها من شمال لبنان. ويمكن لكل منها حمل رؤوس كيماوية أو بيولوجية.

وبعد أقل من أسبوع من قيام زيارة وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية وليام بيرنز بزيارة دمشق -- والسفير بيرنز هو أرفع مسئول أمريكي يزور العاصمة السورية خلال فترة زادت عن خمس سنوات -- والتي قام بها في 17 شباط/فبراير، استضاف الأسد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله على مأدبة عشاء في دمشق. وخلال الزيارة، سخر الأسد علناً من جهود الولايات المتحدة لإبعاد سوريا عن إيران، وذكر أن حكومته "تعد نفسها لأي عدوان إسرائيلي".

يبدو أن عمليات نقل الأسلحة هذه هي علامة على استمرار موقف الأسد المتأهب. ففي حين كانت لبنان ساحة المعركة بين سوريا وإسرائيل لفترة طويلة، قد يشير نقل هذه الأسلحة إلى أن الرئيس السوري يعتقد بأن الحرب القادمة مع "إسرائيل" يمكن أن تشمل شن غارات جوية على الأراضي السورية. وعلى العكس من ذلك، فقد افترض آخرون أن عمليات نقل الأسلحة يمكن أن تهدف أيضاً الضغط على الولايات المتحدة من أجل عودة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات -- وهو نهج غريب من الواضح أنه غير قابل للتحقيق [في الوقت الحاضر].

وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، قام زعماء من الكونغرس الأمريكي -- وأبرزهم السناتور جون كيري -- بزيارة دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية، وحاولوا التعاطي مباشرة مع الأسد في هذا الموضوع. ولم يتم الإعلان عن نتائج تلك الاجتماعات على الملأ. وفي الوقت نفسه، يقال في بيروت أن الولايات المتحدة قامت بعدد من المساعي الدبلوماسية تجاه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري شكت خلالها من نقل الأسلحة. ونظراً لأن الحكومة اللبنانية لا تمارس سيطرتها على الحدود السورية اللبنانية، من المرجح أن تذهب تلك المساعي أدراج الرياح.

وقد ولدت هذه التسريبات ردود فعل متضاربة في واشنطن بشأن التعاطي مع سوريا. ويقول المتشككون أن المبادرات غير المنسقة التي تقوم بها فرنسا، والمملكة العربية السعودية، والإتحاد الأوروبي -- والآن الولايات المتحدة -- قد أثارت مزيج غريب من الفرح في دمشق الذي يعكس عن قيام شعور بـ "تفوق سوري"، مما أدى إلى عدم قيام الرئيس الأسد باتخاذ الحذر. ويضيف هؤلاء المتشككون قائلين، إن قرار سوريا إرسال صواريخ "سكود" إلى لبنان، يثبت بأن دمشق لا ترغب أن تنأى نفسها عن طهران. كما أنهم يجادلون بأن إرسال سفير أمريكي إلى سوريا في ظل الظروف الراهنة من شأنه أن يبعث برسالة خاطئة إلى دمشق، الأمر الذي سيثبط عزيمة الأسد بصورة أكثر.

إن قدرة الدبلوماسية الأمريكية على تجنب وقوع أزمة تعتمد الآن على الموقع الحالي لصواريخ "سكود".

وإذا ما اندلعت المعارك، يشعر دبلوماسيون في واشنطن بالقلق من أن النزاع يمكن أن يصرف الإنتباه الدبلوماسي عن القضية الأكثر إلحاحاً والتي تصب في المصلحة القومية للولايات المتحدة وهي: الجهود الرامية لوقف البرنامج النووي الإيراني. وفي حال وقوع حرب إقليمية، فإن ذلك سيؤدي إلى انصراف واشنطن عن مهمتها المتمثلة في تعبئة الدعم الدولي لفرض عقوبات دولية على إيران. لقد ساعدت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» عام 2006 على كسر العزلة الدولية التي كان يعاني منها نظام الأسد، من خلال الإظهار الواقعي بأنه لا يمكن تحييد «حزب الله» دون تعاون سوريا، -- وهي عبرة لم تنساها طهران.

وعلى الرغم من أن مخاطر قيام ضربة سورية مضادة هي كبيرة، قد يرى بعض المسئولون الإسرائيليون قيام ميزة بضرب كل من سوريا والمعدات العسكرية في لبنان. ويقول محللون أن معظم القرارات التي ستتخذ للجوء إلى الحرب ستكون مبنية على حسابات إسرائيل الإستراتيجية في شمال البلاد. ولكن هناك أيضاً حسابات حول إيران تتعلق بالمنطقة بأسرها. وإذا تقوم إسرائيل بتدمير أسلحة «حزب الله»، يمكن أن يوفر ذلك "نافذة من الوقت" تكون فيها المدن الإسرائيلية تحت تهديد أقل من إمكانية وقوع هجوم صاروخي عليها. ومن شأن ذلك أن يعطي إسرائيل فرصة مثالية لضرب إيران من دون المجازفة بحدوث انتقام فوري من قبل حلفاء طهران في شمال إسرائيل. وسوف لن تكون تكلفة هذا السيناريو مجانية بالنسبة لإسرائيل، ولكن نظراً للقلق الذي يهيمن عليها من قيام إيران بامتلاك سلاح نووي، قد يقرر الزعماء الإسرائيليون بأن ضرب إيران يقع في ظل مستوى مقبول من المخاطر.

 لقد تمكنت الدبلوماسية الهادئة حتى الآن من منع الوضع من التفكك ومن وقوع حرب شاملة. ومع ذلك، إذا استطاعت إسرائيل كشف مواقع صواريخ "سكود" في لبنان، قد لا يدوم هذا الهدوء الخادع فترة طويلة.

المصدر: معهد واشنطن لدرسات الشرق الاوسط

 

 

البث المباشر