قائد الطوفان قائد الطوفان

ما الذي يدفع نتنياهو للربط بين حماس وتنظيم "الدولة"؟

 رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو

د. صالح النعامي

فجأة ودون سابق انذار استحالت التقارير الصهيونية التي تتحدث عن عداء مستحكم بين حركة حماس وتنظيم "الدولة الإسلامية" إلى تقارير تزخر بما تعتبره نخب الحكم الصهيونية مؤشرات قوية على "تعاون" بين الطرفين، سيما في سيناء.

والمفارقة أن المعلقين الصهاينة الذين اقتبسوا قبل أيام فقط تصريحات لكبار قادة الاستخبارات حول مظاهر الصدام بين حماس و"الدولة" هم أنفسهم الذين يقتبسون عن نفس القادة تصريحات تؤكد أن "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس هو الذي زود تنظيم "ولاية سيناء" بالسلاح النوعي الذي استخدمته في الهجمات على مواقع الجيش المصري في محيط بلدة "الشيخ زويد".

وقد بدا قادة الصهاينة بدءاً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومروراً بالجنرال عاموس جلعاد، مدير الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب، الذي يعتبر حلقة الوصل مع سلطات الانقلاب وانتهاءً بالجنرالات الذين يتحدثون لوسائل الإعلام بدون الكشف عن أسمائهم في عجلة من أمرهم لتقديم ما يدللون على أنه مؤشرات على تعاون خفي بين حماس و"ولاية سيناء".

وقد بدا واضحاً أن هجمات شماء سيناء مثلت فرصة ذهبية لنتنياهو وقادة الكيان الصهيوني، حيث أنهم يستميتون في توظيفها لنزع الشرعية عن تقرير اللجنة الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي اتهم (إسرائيل) بشن جرائم حرب خلال الحرب على غزة.

فمن خلال الزعم بأن هناك دلائل تثبت وجود تعاون بين حماس و"ولاية سيناء"، التي تعتبر جزءاً من تنظيم "الدولة"، فإن نتنياهو يحاول اقناع العالم، سيما الغرب بأن الحرب الأخيرة على غزة، كما هي الحروب التي سبقتها، تتقاطع حتماً مع الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة" في سوريا والعراق، وهذا ما يستدعي من المجتمع الدولي تقديم الشكر لـ(إسرائيل) وليس الإسهام في محاسبتها دولياً.

من هنا فإنه من المتوقع على نطاق واسع أن تواصل (تل أبيب) استغلال الهجمات الأخيرة دون مراعاة لحقيقة أنها روجت قبلها بأيام لدعاية مخالفة تماماً.

في الوقت ذاته، فإن نتنياهو يحاول الترويج لفكرة بلورة إطار دولي يسهم في تكريس إستراتيجية "تجفيف منابع" المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وكأن الإجراءات غير المسبوقة التي يقوم بها نظام السيسي والتي بلغت ذروتها في تدمير مئات الأنفاق لا تكفي. لكن حدود الرهان الصهيوني على هجمات شمال سيناء لا يقف عند هذا الجانب، بل يتعداه إلى اقناع العالم أيضاً بدعم التحالف الصامت والخفي القائم بينها وبين دول عربية ضد الحركات الإسلامية.

وقد عبر نتنياهو عن هذا التوجه بشكل واضح عندما قال إن الحرب التي يشنها نظام السيسي هي في الواقع حرب (إسرائيل). ويجاهرون في (تل أبيب) بأن هناك تحالف إقليمي قائم حالياً تشارك فيه (إسرائيل) إلى جانب الدول العربية "المعتدلة".

ومن الواضح أن (إسرائيل) هي أكبر المستفيدين من هذا التحالف، لأنه سيساعدها في درء المخاطر الناجمة عن التحولات المتلاحقة في العالم العربي.

وتطمع تل أبيب أن يسهم التحالف الإقليمي في تقليص حجم الإمكانيات العسكرية والاستخبارية التي توظفها في مواجهة خطر الحركات الإسلامية التي تعمل في سوريا على وجه الخصوص. مع العلم أن هناك الكثير من المؤشرات على أن دولاً عربية تتدخل في الشأن السوري فقط من أجل تقليص المخاوف المتزايدة التي تشعر بها (إسرائيل) تجاه مستقبل التحولات في سوريا، بعد تعاظم مظاهر عدم قدرة نظام الأسد على البقاء.

لكن الخيال الصهيوني في كل ما يتعلق بتوظيف هجمات شمال سيناء لا يعرف حدوداً. ففي خلال كلمته أمام "مؤتمر الفضاء الإلكتروني" الذي عقد الجمعة الماضي في مدينة "بئر السبع"، قال نتنياهو أن هجمات سيناء تدلل على صدقية الموقف الإسرائيلي الرافض للسماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.

ولكي يضفي قدراً من الإثارة على حجته، قال نتنياهو: "لاحظوا ما يفعله داعش بدون سلاح نووي، وتخيلوا ما يمكن أن تفعله إيران عندما تمتلك السلاح النووي". وإن كان هذا لا يكفي، فإن مقربي نتنياهو حاولوا توظيف هجمات شمال سيناء في تبرير عمليات التهويد والاستيطان ومظاهر التطرف في الموقف الصهيوني من مشاريع التسوية التي تطرح لحل الصراع.

فقد قال الوزير يوفال شطاينتس، المقرب بشكل خاص من نتنياهو إن على العالم أن يعي أن مصدر التهديد الرئيس للاستقرار في المنطقة ليس القضية الفلسطينية وأن ما يحدث يدلل على أن العالم يرتكب خطأً كبيراً عندما يضغط على (إسرائيل) للانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967، لأن هذه المناطق ستتحول فوراً إلى مراكز انطلاق لداعش.

قصارى القول، الكيان الصهيوني لم ينفك محاولاً توظيف هجمات شمال سيناء بشكل يؤثر سلباً أيضاً على أطرف تعتبرها الدول العربية "المعتدلة" شريكة لها، مثل سلطة رام الله.

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يساعد بعض العرب هذا الكيان على تحقيق رهاناته على هذا النحو الذي يتناقض مع مصالحهم أو بعضها؟

البث المباشر